نظريّات الأخلاق الحديثة ومفهوم «الإنسان الخارق»

ثقافة 2023/02/19
...

 عدوية الهلالي*

الأخلاق الحديثة هي النظام الفلسفي الذي يتم من خلاله دراسة الأخلاق والواجب والسعادة والفضيلة وما هو صواب أو خطأ في السلوك البشري. ويمثله العديد من الفلاسفة الذين تم تحديد موقعهم مؤقتا من بداية القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر. وبالإشارة إلى الأخلاق الحديثة، فهي ليست من وجهة نظر فلسفية، ولكن من وجهة نظر مؤقتة، لأنه خلال هذه القرون الثلاثة، تم إبراز العديد من النظريات الفلسفية.

ومع بعض التيارات الأكثر أهمية وهي: المادي لهوبز، والتجريبية لهيوم، وأخلاقيات الأخلاق أو الواجب مع إيمانويل كانط، والنفعي مع بينثام وميل والعدمي لنيتشه، لا يسعنا إلا أن نذكر سافستسبري، مؤسس مدرسة الحس الأخلاقي، والفلاسفة الحدسيون رالف كودوورث وهنري مور وصموئيل كلارك وريتشارد برايس وتوماس ريد وهنري سيدجويتش.

ولا يمكننا أن نتجاهل أهمية الفيلسوف اليهودي الهولندي بنديكت سبينوزا أو جوتفريد فيلهلم ليبنيز. فضلا عن ذلك، من المهم أن نتذكر شخصيتين كان لتطورهما الفلسفي تأثير لاحق هما: الفرنسي جان جاك روسو والألماني جورج فيلهلم فريدريش هيجل.

إنَّ حقيقة وجود العديد من نظريات الأخلاق الحديثة تجعل من المستحيل سرد الخصائص التي تحددها جميعًا. ومع ذلك، يمكننا تحديد بعض الموضوعات التي تناولها معظم الفلاسفة في ذلك الوقت ومنها تعريف الخير والشر في الإنسان والمجتمع. والتناقض أو التوافق بين الرغبة، والواجب، والرغبة، والسعادة. واختيار الوصف الأخلاقي على أساس العقل أو الشعور. وخير الفرد ومصلحة المجتمع. والإنسان كوسيلة أو غاية. ومن أبرز الفلاسفة في الأخلاق الحديثة:

توماس هوبز: لقد كان هذا الفيلسوف الإنجليزي المولد شغوفًا بالعلم الجديد الذي يمثله بيكون وجاليليو. وبالنسبة له، فإن الشر والخير مرتبطان بميول الفرد ورغباته، لأنّه لا يوجد خير موضوعي. وهذا هو السبب في عدم وجود منفعة عامة، حيث إن الفرد يسعى بشكل أساسي إلى إشباع رغباته، والحفاظ على نفسه من الشخصية الفوضوية. وحقيقة أن كل فرد يحقق رغباته يولد صراعًا، ولكي لا ينتهي هذا بالحرب، يجب إنشاء عقد اجتماعي. وبفضل هذا العقد، يتم نقل السلطة إلى سلطة سياسية تسمى «السياديّة». ولفرض القواعد المعمول بها. يجب أن تكون قوتها كافية للحفاظ على السلام ومعاقبة من لا يحترمها.

جوزيف بتلر: لقد كان أسقف كنيسة إنجلترا مسؤولاً عن تطوير نظرية شافتسبري. وادّعى أن السعادة تظهر كمنتج ثانوي عندما تتحقق الرغبات لأي شيء ليس السعادة بحد ذاتها. لذلك فإنَّ من لديه السعادة في النهاية لا يجدها. ومن ناحية أخرى، إذا كان لديك أهداف أخرى غير السعادة، فمن المرجح أن تحققها. وعلاوة على ذلك، يقدم بتلر أيضًا مفهوم الضمير كمصدر مستقل للتفكير

الأخلاقي.

فرانسيس هتشسون: جنبا إلى جنب مع ديفيد هيوم، طور هتشسون مدرسة الحس الأخلاقي التي بدأت مع شافتسبري، حيث جادل هتشسون بأنّ الحكم الأخلاقي لا يمكن أن يقوم على العقل؛ وهذا هو السبب في أنه لا يستطيع الوثوق في فعل ما من أجل الحس الأخلاقي لشخص ما. وهو يتصور أن الخير اللامبالي هو الذي يؤسس الحس الأخلاقي. ومن هنا يعلن مبدأ سيتبناه فيما بعد النفعيون يقول فيه: «هذا العمل هو الأفضل لأنه يسعى لأكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس».

ديفيد هيوم: استمرارًا في عمل شافتسبري وهتشسون، اقترح هيوم وصفًا أخلاقيًا يعتمد على الشعور بدلاً من العقل. لذا فإنّ الانسان قد يكون عبدًا للأهواء ويخدمها ويطيعها فقط. ونظرًا لأن الأخلاق مرتبطة بالفعل والعقل ثابت من وجهة نظر الدافع، يستنتج هيوم أن الأخلاق يجب أن تكون مسألة شعور وليس دافعا. كما أنّه يؤكد على عاطفة التعاطف، والتي تسمح لرفاهية شخص ما أن تكون مصدر قلق للآخرين.

إيمانويل كانط: يطرح كانط «النية الحسنة»، باعتبارها الخير الوحيد في جميع الظروف، فضلا عن كونها المرشد للحتميَّة القاطعة. وهذه الحتمية القاطعة هي الصالح الأسمى للأخلاق والتي تنبع منها جميع الواجبات الأخلاقية. وبطريقة تجعله يأمر الشخص بالتصرّف فقط على أساس المبادئ العالميّة، أي المبادئ التي يمكن لجميع الأفراد أو الوكلاء العقلانيين، كما يسميهم كانط، تبنيها. ومن خلال هذه الحتمية القاطعة، يذكر كانط «صيغة الإنسانيّة». ووفقًا لهذا، يجب على المرء أن يتصرف باعتبار نفسه غاية، وليس كوسيلة أبدًا. وبما أن كل إنسان هو غاية في حد ذاته، فإن له قيمة مطلقة موضوعية وأساسية؛ وهو يسمي هذه القيمة الكرامة. لذلك، يُحترم كل شخص لكرامته، وذلك بمعاملتها كغاية في حد ذاتها؛ وهذا يعني الاعتراف بها وجعلها تدرك قيمتها الأساسية.

جيريمي بنثام: ويُعد هذا الاقتصادي والفيلسوف الإنجليزي مؤسس النفعية الحديثة. ويعتمد تفكيره على حقيقة أن الإنسان تحت سلطتين أعطتهما الطبيعة هما: اللذة والألم. ومن ثم، فإن أي شيء يبدو جيدًا يكون ممتعًا أو يُعتقد أنه يتجنب الألم. ومن هذا المنطلق، يجادل بنثام بأن المصطلحين «صحيح» و «غير صحيح» لهما معنى إذا تم استخدامهما وفقًا للمبدأ النفعي. إذن فمن الصحيح الذي يزيد صافي فائض اللذة على الألم. وعلى العكس من ذلك، فسوف يتسبب الخطأ بنقصه. وفيما يتعلق بعواقب أي إجراء ضد الآخرين، قال إنه يجب مراعاة العقوبات والملذات لكل من يتأثر بهذا الفعل. ويجب أن يتم ذلك على قدم المساواة، فلا أحد فوق أي شخص آخر.

جون ستيوارت ميل: وفي حين اعتبر بينثام أن الملذات قابلة للمقارنة، فإن بعضها متفوق والبعض الآخر أدنى شأناً بالنسبة لميل. ثم تكون الملذات العليا ذات قيمة كبيرة ومرغوبة ؛ ومن بين هؤلاء الخيال وتقدير الجمال. أما الملذات الدنيا فهي ملذات الجسد أو الأحاسيس البسيطة. وبدلاً من ذلك، يجب أن يسترشدوا بتحليل كيفية صياغة هذا الإجراء في مبدأ عام وما إذا كان الالتزام بهذا المبدأ يعزز السعادة المتزايدة.

فريدريك فيلهلم نيتشه: وينتقد هذا الشاعر والفيلسوف الألماني القانون الأخلاقي التقليدي لأنه يفترض أن أخلاق العبد مرتبطة بقانون الأخلاق اليهودي المسيحي. وبالنسبة له، تعد الأخلاق المسيحية الفقر والتواضع والوداعة والتضحية بالنفس فضيلة. لهذا يرى أنها أخلاق للمظلوم والضعيف الذين يكرهون ويخافون القوة والحزم، وإن تحويل هذا الاستياء إلى مفاهيم أخلاقية هو ما أدى إلى إضعاف حياة الإنسان. وهذا هو السبب في أنه اعتبر أن الدين التقليدي قد انتهى، لكنه اقترح عظمة الروح، ليس كفضيلة مسيحية، ولكن كنبل وفخر للإنجازات الشخصية.

ومن خلال إعادة التقييم لجميع هذه القيم، يمكن اقتراح مثال «الإنسان الخارق» وهو شخص يمكنه التغلب على حدود الأخلاق العادية من خلال تفوق إرادته على السلطة

الشخصية.