بغداديَّات ستار لقمان.. اختزال لوني باهر

ثقافة 2023/02/21
...

 علي إبراهـيم الدليمي


يعد ستار لقمان، من جيل العقد الستيني، ومن أكثر الفنانين مواصلة ومحافظة للمدرسة (الجواديَّة) – نسبة إلى الفنان جواد سليم – وتمسّكاً بأبعادها الفكريّة وطرازها الفلكلوري الفني، وإذ تتبعنا أعمال تجربته، سنلمس ذلك جلياً في تجسيد تلك المعاني الجميلة والتصورات الرائعة، التي أسسها جواد سليم، كونها قد حملت فيها جملة من المبالغات اللطيفة، في النسب الأكاديمية وبساطة التصميم ووضوحه والمعادلات المتوازنة في الكتل والألوان الشرقية المتميزة، فضلاً عن المنمنمات الإسلاميَّة، المتممة، هنا وهناك.. وشيئاً ما من مرجعيات صور الفنان (الواسطي).

كل تلك العدّة والأدوات التي اشتغل، لقمان، عليها بمبدأ اليقين.. قادتنا إلى تلك المعاني السامية المستلمهة أساساً من الموروث العراقي الأصيل.. فقد ركّز على قيم الإنشاء المتناظر مكان اللوحة، مع وجود للتكسر في الأضلاع حتى، وكأنَّ اللوحة أصبحت كفنٍّ يقبل التصديق ومواضيع أخرى، لكون الفنان كان كثير المشاهدات لأماكن مختلفة.

إن أغلب مفرداته التشكيليّة «امرأة، طفل، رجل، ديك، فانوس، شمعة، بساط شعبي، شناشيل، زي بغدادي، قارب، هلال..»، فكل شيء يقع نظره عليه يعطي له تصوراً خاصاً مثلما عمل في (السجاد) و(الوجه المنظور من الأمام)، وفي بعض الأحيان يعمل على إدخال الخط العربي من خلال أبيات من الشعر ضمن سياق العمل، فتشعر وكأنّ الفنان مستلذ ومستمتع بالجانب الفني، ويوحي لك وكأنّه مركز الانتباه الواحد (ربما ليؤول إلى ضرب من الخيال) ليطوي النص البصري على (متن حكائي) الوجوه الجميلة المفعمة بالحياة وإلى غيره من معانٍ من التصورات الجميلة.

تحتاج اللوحة الواحدة عند لقمان، إلى تفتيش دقيق لكي نجد فيها تفاصيل عدّة، فمثلاً في إحدى اللوحات نجد أنّها تحمل قيماً إنسانيَّة.. وأخرى تشير إلى معنىً واضح.. مثل القطة والطير وبائع الطيور، ترى القطة هنا متحينة الفرص لتنقض على فريستها الطير خلسة، ولتبقى متبسطة بمكانها ناظرة إلى بائع الطيور، وهكذا.. ثم نذهب نحن بأنفسنا لا إرادياً حينما ننظر إلى اللوحة لنأخذ منها بصرياً، نبدأ بالجانب الأيمن لكون القلب في الجانب الإيسر، لكي لا يقلق الرؤيا، كما درجت العادة في المنمنمات العربيَّة الإسلاميَّة عندما نقلبها بصريّاً يميناً وشمالاً، هناك معنى للتناظر، وبهذا يحاول لقمان أن (يكشط الجدار) ليرينا ما وراءه فنرى مشاهدات عدة، مثل امرأة مستلقية في جانب ما، وهناك امرأة عارية من جانب آخر، أيضاً نجد في بعض الأحيان طابعاً رمزياً تقبّل القراءة على أنحاء متعددة، على الرغم من أننا نعتقد بنظرية التصديق، ومع وجود الطابع الميثولوجي، ذلك الطابع الموجود في (لعب الأطفال) وكأن الكل يتطلع إلى ستار لقمان، أي الشخوص الموجودة في تلك الأعمال، ثم نرى (عنبر الورد) والمثلث المركب بصيغة تعبيرية مؤدياً إلى معانٍ جمّة.

ويبقى لقمان، محافظاً على بداياته الأصيلة، وهو يستلهم موضوعاته ضمن الواقع البغدادي حصرياً (العيد، بائع الفرارات، البقالون، المهن الشعبية الأخرى) فضلاً عن التقاليد الاجتماعية المتوارثة.. والملابس والأزياء الشعبيّة المتنوعة.. والرمزيّات في الحيوانات، فالديك مثلاً يجسّد الرجولة والقوة والسيطرة، بينما الدجاجة تعني عكس ذلك 

تماماً.

لقمان، كذلك عشق طبيعة أهوار العراق جداً، فراح يستلهمها في أعماله الأخيرة باختزال لوني باهر، وقد أنتج لوحات كثيرة جداً عنها..

والفنان ستار لقمان الذي هو من مواليد بغداد 1944، وعضو جمعية التشكيليين العراقيين، ونقابة الفنانين العراقيين، خريج معهد الفنون الجميلة 1967، أقام معرضه الشخصي الأول على قاعة كولبنكيان 1977، والثاني على قاعة الاناء 1997، والثالث على قاعة أكد 2009، أما الرابع فكان في قاعة حوار (إشراقات بغداديّة) 2014، والمعرض الشخصي الخامس على قاعة رؤى 32 عمان 2017.

فضلاً عن مشاركته في خمسة معارض مع فنانين في بغداد وعمان في سنوات مختلفة، وغيرها في داخل العراق وخارجه.

كان معرضه الأول لجماعة البداية في جمعية التشكيليين العراقيين 1969، وحاز على جائزة الإبداع من دائرة الفنون التشكيلية، وهو فنان متفرّغ وله لوحات مقتناة في عدد من دول العالم، وكذلك لوحة في متحف مدينة لهاريا في المكسيك.