في أصل الأسطورة

ثقافة 2023/02/22
...

محمد علي جواد


الأسطورة هي فكرة أو حدث معلوم أو مجهول الأصل واقعي حقيقي أو أصلاً خيالي غير حقيقي، تضاف إليه مجموعة من الأحداث اللاحقة لتجعل من ذلك الحدث أو مجموعة الأحداث شيئاً مثيراً خارقاً للقوانين الطبيعية التي اعتاد عليها بني البشر. وتمتاز الأسطورة بالغرابة والأعجوبة، وأن يكون فيها ما هو ضد النواميس الطبيعية النظامية المعتادة، وقد تكون من بنات أفكار الإنسان وقد تكون شيئاً موضوعياً خارج إرادة وقدرة الإنسان.

ولكن من أين تأتي الأساطير؟ وما هي منابعها؟، إن المصادر الرئيسة المساهمة في خلق الأساطير وتطورها هي:

1 - الظواهر الطبيعية الكونية: مثل شروق الشمس وغروبها وظهور القمر ليلاً بأشكاله المختلفة كالبدر والهلال والنجوم في الليل ومرور المذنبات والنيازك، فيحتار الإنسان في هذه الظواهر وأسبابها فيعطي لنفسه أسباباً وتفسيراً لهذه الظواهر ويختلق الأساطير المناسبة لها .

2 - الظواهر الطبيعية الجوية لكوكب الأرض : كالبرق والرعد وهالة المطر (قوس قزح) والرياح الشديدة والنكبات والفيضانات المدمرة والزلازل والبراكين فيحاول أن يعزوها إلى أسباب معينة مثل غضب الآلهة ويختلق الروايات كما يظنها هو.

3 - رؤية الكائنات الكبيرة في البر والبحر كالحيتان والكواسج والأفيال والتماسيح والأناكونده فتهاله ضخامتها ويختلق القصص عنها وعن أصلها.

4 - ربما بقيت في ذاكرة الأقوام البشرية غرائب الحيوانات التي عاشت مع أجدادهم القدامى أو ربما تكلم أنبياء الله الصالحون (ع) مثل نوح وإدريس ومن قبله عن حيوانات جبارة كانت يوماً ما على سطح الكرة الأرضية ولم يرها الناس لأنها انقرضت قبل مجيء البشر مثل الديناصورات فجعل ذلك بني البشر يتفننون في وصف أشكالها وخلقتها وغرابتها بأسلوب خيالي غريب.

5 - غرابة الولادات في الكائنات الحية البشرية والحيوانية كأن يكون خروفاً برأسين أو التوأم البشري الملتصق من الوسط وهذه الولادات بعضها يبقى حياً ليعيش وأكثرها غرابة تموت وخصوصاً ما هو نصفه بشري ونصفه الآخر حيواني مما يدفع الإنسان إلى إعطاء تفسير غريب أسطوري لهذه الولادات الشاذة.

6 - الكثير من الأقوام البشرية لم يهتد إلى الله الخالق ووحدانيته، فآمنوا بـ(الشرك) وجعلوا آلهة كثيرة هي الخالقة للكون وكل إله مسؤول عن ظاهرة معينة في الوجود وجعلوا كل إله له سلاح خاص أو حيوان خاص به أو رمز يعرف به واختلقوا النزاعات فيما بين الآلهة التي تتصرف مثل البشر لكنها قد تموت وقد يبقى بعضها خالداً لا يموت.

7 - الأحلام والرؤيا والكوابيس التي تستحوذ على عقول وأفكار عامة الناس وأمرائهم وملوكهم مما يحتاج إلى تفاسير فيختلق الإنسان أو المتعاملون بتفسير الأحلام والرؤيا الأساطير وما يمكن مشاهدته فيها من حياة الأرواح في القبور أو في الفردوس أو الوحوش الكاسرة أو الجن المرعب الذي يهاجم الإنسان الحالم والهلع الذي يصيبه فيريد أن يهدأ باله ويعمل شيئاً ما تجاه ذلك وحتى الأنبياء لهم رؤيا أو تفسير كما في قصة النبي يوسف (ع) وغير ذلك كثير مما يشحذ الفكر ويبالغ الناس في ردود أفعالهم على الأحلام والرؤيا.

8 - وجود كائنات حية تعيش مع البشر (ونقصد بها الملائكة والجن) ولا ندري هل كانت هذه الكائنات تتجسد أمام الناس دائماً أو بين فترة وأخرى وهي مخلوقات أعظم وأغرب في الوصف مما عرفه الإنسان القديم أو إنسان العصر الحادي والعشرين. ولاشك أن الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام تعترف وتقر بوجود هذه الكائنات الحية ولربما الحديث عنها يلهم الإنسان ليذهب بعيداً في وصف كل غريب وعجيب من هذه المخلوقات اللامرئية .

9 - لقد أتحفتنا السينما الأميركية الهوليودية بالكثير من أفلام الخيال العلمي مثل مدينة الملائكة (City angels ) بطولة نيكولاس كيج ومسلسلات تلفزيونية مثل (Angle) أنجيل وبافي قاتلة مصاصي الدماء ( Buffy the vampire slayer) وكلها تتكلم عن الملائكة والجن والشياطين في أشكالها المختلفة وإمكانية تجسدها مثل البشر العاديين. فضلاً عن أفلام السفن الفضائية المستكشفة للكون وفرضية وجود أقوام وحضارات أخرى في الكون الفسيح مثل مسلسلات (ستار تريك) (Star Trek) وأفلام حرب النجوم ( Star wars) وسيد الخواتم الملحمية أو وجود كائنات كبيرة حية غير بشرية في المجرات البعيدة مثل فلم الحشرات (Bugs) مما يطلق العنان للكتاب والشعراء والروائيين لمزيد من الخيال الجامح الذي ليس له حدود ولا نهايات مستقرة وثابتة.

10 - وقد راقب الإنسان القديم في بلاد الرافدين، الظواهر المختلفة وحاول أن يجد لها التفاسير المناسبة، ففي ملحمة كلكامش وبعد حصول ملك الوركاء على عشبة الحياة والتجدد (الخلود)، اشتمت الأفعى رائحة العشبة، فغافلت كلكامش وهو يغتسل بعين ماء وأكلت العشبة فسقط جلدها القديم وصار لها جلد جديد غيره وصارت تبدل جلدها كل سنة، وفسر الإنسان العراقي القديم تبدل جلد الحية كل سنة لأنها أكلت عشبة الحياة والتجدد في الملحمة. وهذا مثال واضح حول كيفية نشوء وتطور المفهوم الأسطوري.

11 - لقد اختلطت الحقائق بالظنون والوقائع بالخيالات وفوق كل ذلك هنالك المفاهيم الإيمانية التي ليس إلى رؤيتها من سبيل مثل الحياة بعد الموت أو الحياة في القبر أو وجود الجنة والنار ويوم القيامة وليس آخرها الإسراء والمعراج للرسول الكريم محمد (ص)، فقد بدأه النبي بالتحليق على ظهر دابة بوجه بشري كريم لها أجنحة ويذكرنا ذلك بالثيران المجنحة الحارسة لمدن وقصور الآشوريين كما أن معراج النبي يذكرنا بأسطورة الملك الراعي السومري (إيتانا) وصعوده إلى السماء ، ثم يأتي الملك المقرب لله جبرائيل (ع) بأجنحته العظيمة والكثيرة ويأخذ النبي بسرعة تفوق سرعة الضوء ولقاء النبي بأنبياء الله والملائكة في السموات العلا ورؤيته غرائب الوجود وأعاجيب أهل الجنة وأهل النار وعودته إلى الأرض في نفس الليلة وهذا ما يدعوني إلى الأيمان بنظرية أن الحقيقة والواقع أغرب من الخيال الجامح. أما في القرآن الكريم فقد ذكرت كلمة (أساطير) نختار ذكرها في سورة (المؤمنون) بسم الله الرحمن الرحيم ((قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (83))) صدق الله العظيم .

ومن أسماء الأبطال الملحميين الذين دارت حول شخصياتهم الأساطير بسبب أعمالهم البطولية وتعرضهم للأخطار الجسيمة وامتلاكهم الحكمة والشجاعة وتحدياتهم الخارقة للطبيعة: كلكامش وهرقل وشمشون والإسكندر المقدوني والنبي سليمان والنبي ذو القرنين والأمام علي (ع).