هل من علاقة بين الأدب والأمم المتحدة؟

ثقافة 2023/02/27
...

 ياسين طه حافظ

قبل أن أبدأ الكتابة سألت نفسي هذا السؤال وإلا فلماذا أضمن كلمتي مسألة بشقين واحد منهما إنسانية الأدب والثاني محنة الناس في الأرض؟ هكذا وبهذا التقديم وجدت صلة، وجدت قضية مشتركة تشغل وتؤلم مثلما هي تتسع وحتى اليوم لم نرَ لها حلا. وقد يرى أحد مسافة فاصلة بين الاثنين. وسبب ذلك أننا ورثنا مفهومات للإنسانيَّة مبسطة جداً، يمكن وصفها بـ «النقيّة الأولى» وعلى بساطتها المفرطة، ظلت تشير إلى محنة الإنسان في العيش والمصير بتفاصيلها من متاعبه الاجتماعية ومتاعب قوته إلى تعرضه وقيمه لما يهين أو يدمر. وكانت تلك ضمن محتوى الأديان واهتماماتها ما دام محور عنايتها الإنسان واستقامته الأخلاقية فرداً – ولهذا علاقة بسلام وأمن الناس.

أيضا، عملت القوانين على حصانة بعض حقوق الناس وسلامتهم وردّ التجاوزات والأخطاء. لا أريد الإسهاب في الموضوع، فما هو مهم في رأينا، وتعنينا الكتابة فيه هو أنَّ الكتاب والفنانين وعموم مثقفي العالم، هم أكثر من سواهم يسيّرون النفوس البشريَّة ويردون أو يستنكرون منغصات عيشها آملين بجمال الحياة ومعناها. مقابل هذا صار يتنامى فهم «آخر» لإنسانيَّة «أنانيَّة»، إنسانيَّة نفعيَّة أو إنسانيَّة غير مكتملة النقاء. صار مفهوم الإنسانيَّة العملية الجديدة محدودا بشرط انتفاعي بما يجدي إنسانيا وما لا يجدي أسقطه وأبعده، فهو لا يعنيني!

خطورة الظاهرة أنّها تجاوزت رفض «ما» لا ينفعني «مزاجاً أو رغبته» أو  ذوقاً، إلى طرد وإبعاد ذلك بالقوة.

 السنوات الأخيرة شهدت ظاهرة الهجرة إلى البلاد الأوربيَّة، جوعاً أو خوفاً من بطش أو رغبة بحياة متحضرة نظيفة. الأسباب الثلاثة مقبولة، وحق الإنسان أن يطلبها ويخلص من شقاء أو من هيمنة سياسية واضطهاد أو من جوع...، إلى آخر ما نعرف في بلداننا وما يعرفه المهاجرون في العالم في بلدانهم.

هنا، تنحّت التعاطفات الإنسانيَّة التي عرفناها وأن ظل بعض الاشفاق في الرفض العام وضمن الكراهة السائدة. في أيلول 2016 خلص زعماء الاتحاد الأوربي في قمة فينا إلى رأي موحد لردع المهاجرين واللاجئين هو: ضرورة زيادة حرس الحدود... معنى هذا القوة البوليسيَّة ضد المهاجرين واللاجئين.

أظن يضع روايات عظيمة يمكن أن تعوّض عن وتفضح أيضاً، كثيراً من المؤتمرات والتوصيات والشروح الفارغة وتخبر العالم بتفاصيل أكثر عن كل التقارير الرسميَّة وأرقام المعونات (وحتى نسبة ما يُسرق منها..). فلم تتح للأدب فرصة عظيمة للكتابة العظيمة مثل هذه الفرصة، وموضوعات واسعة خصبة التفاصيل كهذه: إشكالات إنسانيَّة، تقاطع أفكار ومصائر، أجواء، بطولات، انهيارات، مخيمات انتظار، متمردون، ومكتئبون وعديد غرقى) هل تعلمون، أن عدد النازحين في العالم. بلغ خمسة وستين مليون إنسان، منهم واحد وعشرون مليون لاجئ؟ إذا الموضوع يتسع لأعمال أدبية أكبر مما ذكرت وأوسع: مأساة بشرية على مستوى العالم. في تصريح لأردوغان، الرئيس التركي، قال: «لا يوجد أي رد فعل على هلاك نحو ستة آلاف شخص في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة ولم يتخذوا أي تدابير (يقصد الاتحاد الأوربي).

أكثر من هذا، هل تعلمون أن بعضهم اسمى اللاجئين بـ «الغزاة»؟ وهذه نقطة تستوجب نقاشاً وإن سيكون نقاشاً مأساوياً، وإن لم تخطر في ذهن القائل خطورتها ولكنها واردة ضمن ما ورد من كلام: «جياع يغزون أطعمة فائضة وأشقياء ملّوا بؤسهم يريدون مذاق حياة، ومدمّرون خوفاً يريدون أن يعيشوا آمنين»... السؤال الآن: ما هو (دور الأمم المتحدة)؟ قبل أن نسأل كيف ستبدو الإنسانيَّة في الأدب الجديد الذي سنكتبه اليوم في ضوء ما نرى أو يكتب غداً؟ لم ينته زمن الملاحم، يبتدئ زمن الملاحم!، ولا نحتاج كثير شجاعة لنقول: المسؤولية المباشرة مسؤولية وعمل الأمم المتحدة. أليس المهاجرون ناس أمم؟ أليسوا بعض البشر على الأرض؟ ألا ينتمون لدول؟ إذا لم تستطع الأمم المتحدة ايجاد حل أو عون لانقاذهم لماذا لا تتدخل في إصلاح الأوضاع في بلدانهم؟.

اسمعوا رئيس دولة عظمى كيف يتدنى قوله إلى حد القذارة، إذ وعد بعدم استقبال المهاجرين الآتين من «الثقوب القذرة..!» ولو عرف القارئ أصل العبارة بالانجليزيةshitholes  أي المنافذ التي تخرج منها القذارة (أو البراز، لا تضح مدى القرف والاستياء منهم! وديفيد كميرون رئيس وزراء بريطانيا في حينه يصف المهاجرين بـ “سرب الحشرات الجائعة”!.

نعود إلى سؤالنا: لماذا يهرب الناس من بلدانهم، ولماذا يتركون أوطانهم وأقاربهم وأهليهم ويفرون عبر البحر والموت؟ هل من خير أم شر؟ ولماذا لا يوقف الشر ويوقف الاضطهاد وحكام هذه الدول غالباً من  صنيعتهم؟ ألا تستطيع الأمم المتحدة أن تفعل شيئاً؟ تستطيع أن تخفف بؤساً وخوفاً، تستطيع الاسهام في تيسير حياة مدينة لائقة.. أم هم السادة وراء البحار ينفعهم الحال السيء التي فيها الشعوب وإذلال الناس ليرتضوا “الخدمات” وليرخصوا أجورا وكرامات؟ وهل هذا السبيل لتدريب مرتزقة ولتوظيف مهربين وتجار رقيق ومخدرات؟

لست ضد من يحاول الفرار مما هو عليه، ويحصل على لجوء ثم يسعى لجلب أسرته. هو نضال من أجل العيش الأفضل أو السلامة. قد تسألني هل ترتضي ذلك لنفسك وعائلتك أن تيسّر لك الوصول وضمان الاقامة المشروعة؟ أقول: نعم! من لا يريد الخلاص من بؤس الحياة والأنظمة، ومن التخلف الذي لا ندري متى ينتهي؟ تلك تفاصيل حياة يراد الفرار منها إلى ما هو أكثر تطوراً وتقدماً مدنياً وأعم سلاماً وأضمن شفاءً. حق للناس أن تهاجر. ويكفي أنهم يستسهلون البحر وهم يعرفون كم عدد الغرقى وما هي المتاعب!؟. إنّها تراجيديا الإنسان في الأرض. ماذا فعلتِ حتى الآن يا هيّأة الأمم المتحدة وأين الحلول؟ وأنت أيها الأدب، يا ملاذنا الأخير قل كلمتك، وأفضح كل ما تخفيه الأضابير!