اغتصاب شهرزاد: إدانة للواقع والحياة

ثقافة 2023/02/27
...

  شكر حاجم الصالحي


بفضل تضحيات الباذلين ودماء الأكرم منا جميعاً، انطوت أبشع صفحات العهد «الداعشي»، بهزيمة ماحقة، ولكن آثار تلك الجريمة الفاضحة ما زالت تغتصب لحظات نشوة النصر بفعل ضخامة إجرامها وحجم ضحاياها، وساعات اغتصاب شهرزاد. ليست بالرواية الوحيدة التي وثقت ودوّنت تلك الأحداث المثيرة، ولكن تميزها يأتي من أن مؤلفتها امرأة عراقية عاشت تفاصيل هذه المأساة، وصاغت أحداثها بمهارة عالية، فهي تحكي قصة امرأة بطفولة سوداء، تفقد أمها وتعيش تحت سطوة امرأة أبيها، فيلاحقها البؤس ويمسي قرينها، على مدى حياتها المليئة بالمفاجأة والحزن والاغتصاب، فزواجها الإجباري حالة من حالات الاغتصاب، وتتكرر عليها الاغتصابات بأشكال مختلفة.. وفي تقديمه للرواية سيشير الدكتور ابراهيم مصطفى الحمد إلى أن ساعات اغتصاب شهرزاد رواية تشكل إدانة للواقع والحياة والعالم، رواية بُنيت بناءً درامياً يجعل من قراءتها بكاءً مستمراً تقشعر الأبدان لكل جملة ومشهد ومقطع سردي فيها.ويمكن للقارئ النابه تلمس حجم العناء ونكد الحياة من خلال الحوارات المقتضبة التي ملأت الفضاء:

- قتلوا أخوتي وخطفوا زوجتي وأطفالي.

- ماتت أمي بين يديَّ على الجبل من الجوع والمرض.

- قتلوا زوجي وأبنائي.

- هلكنا من الجوع والتعب والعطش.

قالت النائب: اطمئنوا سننقذكم جميعاً، لا تقلقوا أنتم بأمان الآن. 

لم تكن هذه الحوارات من نسج مخيلة المؤلفة سوسن البياتي، لا بل أجزم أن ما تعرض له الأخوة الأيزيدون يفوق ما تعجز عنه الأوصاف، «فالداعشيون» القتلة جاؤوا بكلِّ ما في عقولهم الخاوية من كراهية واقصاء للآخر المختلف، فزرعوا قباحاتهم المستهجنة وأحرقوا الحرث والنسل في ربوع المناطق التي دنستها أقدامهم القذرة، وللقارئ أن يتصور ما عانى منه الأيزيدون الذين وقعوا في شباك مغول العصر: ضُرب الخمار على وجوه النساء، وحدد لون الخمار بحسب الحالة الاجتماعية للمرأة، من حيث كونها عزباء، أو متزوجة، أو مطلقة، أو أرملة، أما الرجال فأجبروا على إطلاق لحاهم وارتداء البناطيل والسراويل القصيرة، كانوا يقصونها، أو يضعون قطعة من المطاط في نهاية بناطيلهم ويقومون بثنيها من الداخل كي يضمنوا تقصيرها من دون الحاجة إلى قصصها أو التسبب بتلفها .. ص85. إنَّ هذه الرواية [ساعات اغتصاب شهرزاد] تشكل وثيقة ناطقة على همجيّة أولئك القتلة الذين استباحوا المدن الآمنة وهتكوا أعراض إناثها، وارتكبوا من الجرائم ما يندى له جبين كل إنسان على هذه الأرض، واللافت للنظر أن بعض المخدوعين بهذا المنهج التفكيري ما زالوا يوفرون للفلول «الداعشيَّة» حواضن لارتكاب كل ما يشين الصفات الآدميَّة.. وفي غمرة هواجسها سمعت صوتاً يناديها – شهرزاد: يا إلهي لم تعتد أن يناديها رجل باسمها في هذا المخيم، التفتت مستغربة، لاستبيان ملامح وهوية المنادي، وبعد فترة من التحديق بعينين مستغربتين متسائلتين قالت: من؟ بشار، أنت بشار؟ معقول. اقترب منها، وهو ينظر إلى كل جزء منها من قمة رأسها، إلى أخمص قدميها، متعجباً لما حلّ بهذه الوردة العطرة قائلاً:

-أنت هنا يا شهرزاد، كيف؟ ولم؟ هنا تقطن النساء «الداعشيات»، كيف زجوا بك في هذا المخيم؟ أيعقل هذا؟ أين أطفالك أخبريني ما حلّ بك... ص155. وقبل أن نطوي هذه الصفحات المؤلمة، لا بدَّ من القول إن رواية [ساعات اغتصاب شهرزاد] لسوسن البياتي، تستحق أن تستثمرها الدراما العراقية لتنتجها توثيقاً لمرحلة سوداء ألقت بظلالها الموحشة على ربوع الموصل الحدباء وجعلت من بيوتها أوكاراً لجرائم القتل والإبادة.