يمام خريتش والقصَّة الطفليَّة

ثقافة 2023/03/01
...

سريعة سليم حديد



تكتب بألوان بهيَّة, وتزرع الدروب أمام الأطفال سنابل خضراء, لا تلبس أن تتلوَّن, وتيبس, فتنثر بذورها, وتشعل الطرقات ازدهاراً وبهاء من جديد.

كاتبة تعرف كيف تفتح للطفل نوافذ على القصة ليدخلها بمتعة, ويخرج منها وقلبه معلَّق بها, ويداه متمسكتان بصفحاتها.

الكاتبة السورية يمام خرتش لها العديد من القصص الطفلية المميزة, وتنشر في الكثير من دور النشر والمجلات.


قصة شيء ليس عادياً أبداً. قصة تلفت انتباه المتلقي الصغير إلى أهمية موضوع تقبُّل الآخر من خلال شخصية الطفل (سعدون) الذي يمتاز بطوله أكثر من المعتاد مما دفعه للبحث عن مكان آخر لا ناس فيه يتضايقون منه.

تجري أحداث القصة يشدها خيط التشويق, وخاصة أنَّ الكاتبة تستعمل أماكن يذهب إليها (سعدون) ليست بعيدة عن معلومات الطفل الجغرافية, فقد اختارت جبل (طوبقال) والبحر الميت وصحراء الربع الخالي, هذا مما يسهِّل الفهم على الطفل, ويجعل خياله نشطاً مع تسرب المعلومات الجغرافية إليه بشكل لطيف.

ولا تزال القصة في خضمِّ التشويق حين ينتقل (سعدون) من مكان إلى آخر, ويجد تضايق الناس منه من جديد.

ــ تحط أحداث التشويق رحالها في المشهد الأخير, حين تصل إلى (سعدون) رسالة من قريته (كركرون) توجه إليه دعوة للعودة إليها لأنَّ كل الناس قد اشتاقوا إليه, وتُختم القصة ببناء بيت مناسب لحجم (سعدون) الكبير, وتأقلم الجميع مع طوله الغريب. 

اعتمدت الكاتبة اختيار عنوان القصة وفق المفهوم العكسي لطبيعة الشخصية, هذا مما زادها ألقاً, وجعلها أكثر ظرافة ومتعة. أضف إلى ذلك محاولة الكاتبة إضفاء روح المرح على القصة, نقتطف:

“فرح الأطفال بسعدون, فراحوا على كفيه يتأرجحون, وعلى ظهره يتزحلقون, أما الكبار فانزعجوا كثيراً من حجم سعدون. لماذا؟ هل تعرفون.”

كذلك اعتماد الكاتبة بعض المحسنات البديعية في القصة, كما يتضح ذلك في المثال المقتطف.

كذلك اختارت اسم القرية (كركرون) لتجذب انتباه الطفل إلى موضوع التباين الذي هو في الأساس عماد القصة وموطن اهتمام الكاتبة. وقد تجسَّد هذا في اختيار الأماكن التي سافر إليها (سعدون) أعلى مكان في البلاد العربية, وأخفض منطقة في البلاد العربية أيضاً, كذلك مكان يُعرف من خلال اسمه بالخلو من البشر وهو صحراء الربع الخالي..

ما يشدُّ الانتباه أيضاً اللوحات الفنية المرفقة بالقصة, فهي تضفي عليها بهجة ومتعة وخاصة أنها لوِّنت بألوان بهية.

تتوجه قصة (هل تريد أن تمشي الآن يا علي؟) إلى الفئة العمرية ما دون عمر الخامسة, تسير الأحداث بأسلوب لطيف جذاب, يلفت انتباه الطفل إلى جمال الطريق وبالتالي الاهتمام بما حوله من أشجار وأزاهير عن طريق تنشيط حواس الذوق عنده.

الطفل عندما يذهب مع أمه في نزهة إلى الحديقة, يطلب منها دائماً أن تحمله, فتجري أحداث كثيرة على الطريق, ولكن (علي) بمنأى عنها, فلماذا لا يشاهد سباق الدعسوقة مع النملة, أو يرى الأقحوانة الصفراء, وهي تطرح عطرها, أو يلمس قطرات الندى المتجمّعة على أوراق النباتات, كل ما حدث سببه أنَّ (علي) تحمله أمه, وهو بعيد عن الأرض.

ــ تعتمد الكاتبة على الجمل اللطيفة المبهرة التي من شأنها أن تحرّك ذائقة الطفل وتلفت نظره إلى جمال ما حوله, وترفد الجمل في نهاية كل مقطع بالسؤال نفسه: “هل تعرفون لماذا؟” هذا مما يحفز عامل التفكير عند الطفل, ويجعله يخمّن أسباباً عدة لما يحدث, نقتطف: 

“تفوح رائحة طيبة من الأقحوانة الصفراء, ولكن لا يشمُّها علي! هل تعلمون لماذا؟”

ــ قصة “البحث عن فرات”, هذه القصة نشرت على تطبيق عصافير مرفقة بالرسومات اللطيفة والصوت التمثيلي المتفاعل مع الأحداث والنبرات الكلامية, مما أضفى عليها المتعة والجمال.

ــ قد تبدو القصة منذ المشهد الأول للوحة قطرات المطر أنها مثلها مثل أي قصة تحكي عن طبيعة تشكل الغيم ومن ثم تحوله إلى مطر ورحلة قطرة مطر عادية, ولكن تسير القصة على غير المتوقع, فقطرة المطر التي كانت خائفة من السقوط تمسك بيد صديقتها فرات وتسقطان, ولكن لا تسقطان على الحقل أو النهر أو في البحر بل تسقطان في كوب ماء كان بيد سامي, سامي الذي كان يجمع ماء المطر ويشربه, ثم تنتقل القطرتان إلى بلعوم سامي, وتدخلان عبر الدم, فتصل فرات إلى مسام الجلد وتتبخر, بينما تتابع القطرة الأخرى طريقها إلى أن تصل إلى المثانة, ومن ثم الصرف الصحي, ومن ثم مرحلة التعقيم, لتصل أخيراً إلى الحقل, وتدخل في جذر نبتة دوار الشمس, وتجد نفسها أخيراً قد رشحت ووقفت على إحدى التويجات الصفراء, وتفرح كثيراً بالمرحلة القادمة من التبخر والعودة للسقوط من جديد.

ــ لقد امتلكت القصة عنصر التشويق والمتعة في السرد, وقدَّمت سيرة حياة القطرة بجرأة, وقدَّمت معلومات للطفل عن قطرة الماء التي تدخل جسم الإنسان بشكل غير مباشر, هذا مما يطلق تفكير الطفل وينشط خياله, ويدفعه لتأويل الكثير من مصائر حياة قطرات الماء.

ختاماً نقول: تمتلك الكاتبة يمام خرتش أسلوباً مميزاً في القص الطفلي