شارا رشيد تشويه الوجوه عبر دوافع التأمل

ثقافة 2023/03/01
...


خضير الزيدي



لا توجد ثوابت في الفن طالما يعير الشكل اكثر من مؤثر. فلكل عنصر في العمل اساس بصري وغاية معينة لهذا سيكون لزاما علينا ان نتأمل اللوحة وابعادها التعبيرية ونحن نقف امامها

وبما ان لكل فنان اجراءات بنائية يصعب فهما امام المتلقي فقد تتشوش لدينا الفكرة ونظل مشدودين للشكل طالما لا يمكن الامساك بخيوط معرفة المدلول وما يحمله من تأويل ووظائف ،نعم في الفن غايات كثيرة واتجاهات متعددة تجلب لتكريسها عدة مستويات لكن على وجه الدقة تبقى نتائج الفن مبهرة ومثيرة وهذا ما يوسع من افق اللوحة سواء بغنائيتها او بتراكيبها المتخيلة وحتى بجدل المتغيرات في اشكالها او انساقها التصويرية .هناك اكثر من مؤثر اتجاه المتلقي طالما الكثر من الحيوية والجذب يترشح عن رؤية العمل الفني ويخرج بوضوح وصورة تهتز امام اعيننا فما الذي تبتغيه فنانة مثابرة وواعية مثل شارا رشيد في معرضها الاخير بعد تقديمها لتجربة جديدة علينا عام 2022 من خلال مشروعها لفن أدائي(بيرفورمانس) وكان بعنوان ( من نحن) عرض ضمن مهرجان معهد الفنون الجميلة في تلك السنة وحتى ان ذاكرتنا تحتفظ بصورة مكتملة عن منجزها السابق حينما قدمت معرضها الشخصي الأول ( كلتور) عام 1996 ثم تلته في اقامة معرضها الشخصي الثاني والموسوم ب (حكايات) مع الفنان ماهر ستار في بغداد عام 2015  ثم تعزز وعيها ونشاطها الفني لتنجز المعرض الشخصي الثالث، على قاعة المتحف الوطني في السليمانية 2018 بعدها انجزت معرضا مشتركا (ستة قصائد بصرية) في كاليري آرت هوب ، أبو ظبي- دولة الأمارات 2019.وكان لكل معرض من تلك المعارض ما يجعلنا نرتقب اسما فنيا مثابرا فهي لم تكن في كل منجزها فنانة استعراضية لمواضيع متعددة او اسلوب يزيدها اقترابا من الاخر كانت تصر على ان تفرض نوعا من الفن الذي يلامس جراح الواقع ومأساة الانسان بعيدا عن طبيعة هويتها الكردية شارا لم تفكر في ذلك ولم تمثل لوحتها انعكاسا لقوميتها بل على العكس كانت صاحبة موقف انساني فهي تنظر للإنسان كوحدة موضوعية في الغالب من فنها التعبيري وتبين مدى انجذاب نفسيتها اتجاه فن يستحق التخليد وهي لا تصف حالة الانسان بل توجه نداء داخليا عبر اجوائها النفسية للتخاطب مع الاخر كأنها تؤسس الى لحظة تأمل من نوع خاص في مستويات الادراك عند الانسان وبما ان الفن فكرة ذات سمات شكلية فقد استهوت عبر اشكالها لغة التجانس اللوني في العمل الواحد وهو في الاساس ايضاح فكرة ونزعة لون وخط يضاف له التعبير الحي.

هوس التعبيرية في معرضها الاخير

ضمن مشروع هيلان الفني في اربيل اقامت شارا رشيد في الخامس والعشرين من شهر شباط معرضها الموسوم ب (البحث عن الهوية) والذي يحييه معهد غوته الالماني في العراق بالتعاون مع الفريمينگ للتصوير الصحفي وسيف گاليري احتوى على العديد من الاعمال التعبيرية وكانت التشخيصية اكثر ما استثمر في طاقة العمل الفني وهو ما يؤكد خطاب الفنانة على التمسك ببناء اعمال فنية لها سمات خاصة تميل للاقتراب من تعاظم التشخيصية كأسلوب وايضا هي تكريس لتحديد هويتها الانسانية في التعبير عن انفعالات وشعور يعيشه الاخر. في الصياغات الفنية لا نجد تعقيدا بنائيا انما تستكمل لنا تصورا في منطق الانفعال اتجاه ما يحسه الانسان من غربة وضياع وهذا ما نتلمسه من الوجوه المشوه في التجسيد الفني كأنها ترغب بالقول ثمة ضياع في دورة حياة الانسان والبحث عن تلك الاثار التي تحتمل اللوحة بيانها او لنقل ترغب في تتبع مسارها ثمة ما يبرر لنا كمتلقين اسباب موضوعها الاساس وحسنا فعلت حينما غيبت التجريد وقدمت لنا فنا تشخيصيا لم يبتعد عن جذر المشكلة في البحث عن هوية الانسان ولعل الملفت هي اقترابها جماليا من لحظة المواجهة مع الامساك بالفن والحفاظ على سمات اسلوبية متوحدة في معرضها هذا وليس تتبع غواية الفن فربما لهذا السبب اجدها تسعى لإعلاء العلامات الظاهرة في وجوه اشخاصها كأنها لم تكتف بوجود علامات داخلية افترضها سياق تأويل اللوحة وهذه الممارسة تبدو جماليا ذات طابع عفوي لا يمكن تجاوزه لو وجدت توصيفا ونحن نوثق مثالية الفن ..نعم في الفن فكرة فطرية ولكنها تحتمل اكثر من قراءة ولا يمكن تجاهلها وهذه الفطرة تبدو نتاج شعور بإنسانية الانسان وحقائق لوجدان جمعي وما يحسب لشارا رشيد في اعمالها الفنية انها تدرك ما تنطوي عليه الحقائق وكيف يخوض المرء صعوبة في الالفة مع الاخر او المكان وغربته. لوحاتها ترتدي لباس العزاء كمقاربة لواقع يثير فينا الاسف فهي تتعقب على الدوام موضوعة هدم الانسان من الداخل فملامح الوجوه كانت في شد وجذب وبدت في موضع الاعجاز فهل ذهب خطابها التعبيري الى غاية علينا ان ندركه ولو بعد حين كي نفهم مغزى تأسيسه الرمزي امام اعيننا ونحن نتابع لوحاتها.