الخطاب البصري والجمالي في مسرحية gate

ثقافة 2023/03/01
...

 حيدر عبدالله الشطري

ارتكز عرض مسرحيةgate  من إخراج د. حليم هاتف وتقديم طلبة كلية الفنون الجميلة في الديوانية، والذي عرض يوم 24 / 2 على قاعة عَرض قصر الثقافة والفنون في الديوانية على تكريس منظومة بصرية فاعلة ومتعددة العناصر في تشكيل الملامح الجماليّة التي طرزت العرض بحلته الدلاليّة والتعبيرية والتي كانت هي الطريق الذي رسمه وحدده العرض للمتلقي لكي يسير عليه في متابعته وتلقيه واستجابته وتأثره.

إذ عمل المخرج على تحديد وتأكيد آفاق هذه المنظومة عبر صورها المعبرة التي اجتهد صانعو العرض في تكوينها لتؤسس لشكل العرض النهائي الذي اعتمد على ذلك باعتبار أن النصّ البصري من الممكن ان يكون منطلقا أساسيا فكريا للعرض من دون الحاجة الى نص مسرحي مكتوب على الورق، ومن ثم يتحول الى ملفوظ كلامي على الركح. واستعاض المخرج عن كل ذلك بالتعبير الجسدي للممثل وفق اشتغالات حركية دالة، وعوّل عليه كثيرا ليكون هو لغة العرض المعبرة التي تعبر عن رؤاه وافكاره والتي تسير به نحو أهدافه، فكان دور المخرج هنا هو المؤلف الأول للعرض الذي اقترح موضوعته وافكاره، ومن ثم عمل على تحقيق عملية تواشج بين طروحاته النظرية والعملية التطبيقية فكان أيضا هو المؤلف الثاني للعرض من خلال تعامله مع عناصر العرض التكميلية الأخرى التي كانت وحدات جزئية تعمل بحد ذاتها ضمن منظومة العرض الكليَّة.

فكان العرض عبارة عن مثيرات بصريّة مرسلة من الخشبة الى قاعة العرض وتعمل على تحديد مساره الفكري والجمالي عبر اشتغالاته الدرامية المتلاحقة والمتعددة والتي تسعى دائما الى تثوير معانيها لتحقيق فعل الاحتدام والتصعيد في حركيته الدائبة وفق معادلة درامية متوازنة بايقاعها المتسارع ووازنة في تشكيلاتها البصريّة.

انطلق العرض في تأسيس بنيته الفكريّة على فكرة الـ gate  أي البوابة وما تشير اليه هذه الفكرة عند قراءتها بوصفها مكانا محوريّا وعتبة دالة في الولوج عبرها الى عوالم أخرى يقترحها العرض في البحث الإنساني عن الخلاص واللجوء والهرب اليها في سعي الانسان لإيجاد ملاذاته، فكانت مدخلا تأويليا ناضجا ومكتنزا لبنية العرض الكاملة والتي أثارت في جنباتها الكثير من الأسئلة الوجوديّة وأفضت بالمتلقي الى لجة الثنائيات الفلسفيّة الضديّة والتي تتمحور حول (الحضور والغياب، الداخل والخارج)، البوابة بوصفها مدخلا يفضي الى الداخل او مخرجا يؤدي الى الخارج او كما صورها العرض على أنها بوابة المغادرة في المطارات والتي تشير الى كونها منفذاً للرحيل والخروج الى فضاءات أخرى.

فهي البوابة اللا مرئية التي تسكن فينا وعلينا أن نجد مكانها والمرئية التي نبحث عنها في المطارات والموانئ والنقاط الحدوديَّة هما نقطة ارتكاز العرض بكل اشكالياتها والتي ابتنيت عليه كل اشتغالاته ومعالجاته واجتهاداته من دون الانتباه الى عزل المتلقي عن العرض وعدم زجّه في أتون الاحتراق الذي أشعله وذلك عبر مدِّ جسورٍ من التواصل معه فبقي المتلقي حائراً في مشاركة ممثلي العرض والتعاطف معهم في رحلتهم الطويلة.

 وقد جسّد المخرج البوابة بثلاثة أشكال متشابهة تتوزع بين خشبة العرض وتتكرر استخداماتها بحركتها المستمرة وتنقلاتها من مكان الى آخر تبعا لوظائفها المتعددة والتعامل معها من قبل الممثلين عبر لغة الجسد التي اختارها المخرج رهاناً يعول عليه كثيرا في رسم المعالم التي تفضي اليها البوابة والتي لم تكن تشير الى نقطة النهاية ومرفأ الخلاص بقدر ما تصور وترسم المعاناة في الطريق اليها والتيه الذي تؤدي اليه ومن ثم ضياع وسقوط خيارات الانسان في بحثه الدائب عن الخلاص.

وبذلك كان عرض مسرحية gate محاولة جادة في الاجتهاد لتأسيس تجربة مسرحيّة تسعى لتوظيف الجماليّات البصريّة في خلق الدهشة والانبهار العلاماتي والإشاري، وكان خيارا ناجحا على حساب خيار توظيف جماليات اللغة المنطوقة فاستند إلى لغة الجسد في الحركة والرقص بتشكلات وظيفيّة دالة كانت حاضرة بوضوح في بنية العرض الذي تأسس على رؤية إخراجيَّة باصرة بمستويات التلقّي عبر تقديم مشاهد حركيّة ملغّمة بمحمولات توليديّة للمعنى والدلالة لا تمنح الأجوبة بقدر ما تثير الأسئلة.

فاكتمل الفضاء بتأثيثه البصري وتكوينه التشكيلي عبر اللون والحركة ومن ثم جسّد بعداً وظيفياً في رسمهما بأشكال تمثّل الثورة والرفض والاحتجاج بتدفقٍ عالٍ واحتدامٍ كبير.

وهكذا كان عرض مسرحية gate عرضا يركن الى الصورة والمعمار البصري لخلق مناخ ملائم لتعميق التركيبة النفسيّة التي تصور حقيقة الإنسان في توهّجاته وبهجته وقتامته وحزنه، وقد أجاد المخرج في خلق وترسيم معالم هذا المناخ في نسق تقديمي يسعى للابتكار وإطار تمثيلي يبحث في التجديد واستخدام معبر لكل عناصر العرض

الأخرى.