كُتَّابٌ يدَّعون أنَّ الطبعة الأولى نَفَدَتْ من السوق

ثقافة 2023/03/01
...

 بغداد: نوارة محمد  


هل تترك عبارة الطبعة الثانية أو الثالثة انطباعًا جيداً لدى القُرّاء، أم أنّها طريقة احتياليّة؟ وهل أصبحت ظاهرة تعدد “طبعات الكتاب” مرتبطة بمزاج الكاتب وحبه للظهور والتباهي أم هي حاجة فعليّة؟ تساؤلات كثيرة تثار لدى المثقفين ورواد سوق الكتاب لا سيما أن هؤلاء لا يطبعون أكثر من 200 نسخة يوزعونها بين المعارف والاصدقاء من دون مقابل ثم يدّعون أن الطبعة الأولى نفدت ويعاودون الكرة لطباعة 100 نسخة أخرى ممهورة بكلمة: الطبعة الثانية.هذه الحيلة سارية المفعول إذ يبيع تجار الكتب الوهم للقرّاء لا سيما شُبان الجيل الجديد من القرّاء الذين لا يملكون الخبرة الكافية في اختيار الكتب الجيدة بغض النظر عن مؤشر المبيعات وعدد الطبعات، الأمر الذي أدى بنا إلى ضرر كبير أخذ ينتشر بسرعة البرق. يقول الكاتب والشاعر حميد قاسم وهو يصف هذه الظاهرة، إن: هؤلاء لا يخدعون سوى أنفسهم ومن يتواطأ معهم من أصحاب دور النشر “البقاليّة” والنقاد من صنف (أقلام للإيجار) الذين انتشروا في ظل نظام التفاهة، والذين أرى أنّهم يلحقون بالمجتمع ضرراً لا يقل عن الضرر الذي تلحقه بنا “الفاشينسات” اللواتي تسيدن وسائل التواصل الاجتماعي بمحتويات هابطة ومبتذلة ركيكة، مع بعض الاستثناءات فإن الكاتب العربي لا يبيع أكثر من بضع مئات من النسخ من كتابه سواء كان مجموعة قصصيّة أو شعريّة أو رواية أو دراسة نقديّة.. الخ، وهنا تكمن خديعة النفس والآخرين”.  وعَدَّ القاص حسب الله يحيى أن هذه الظاهرة نتيجة البحث عن الشهرة المزيّفة والادّعاء الكاذب بالثقافة، وهذا ينافي المبدأ الاخلاقي لمهمة الاديب الحقيقة لاسيما أن كثيرين ممن أوهموا أنفسهم والآخرين بالنُبل الأخلاقي والثقافي لكنهم ليسوا سوى مخادعين.. ويعتقد أن مهمة الاديب أخلاقية ورسالة اجتماعية نبيلة خالية من الزيف والادعاء، ويجب الوقوف كثيراً عند هاتين العبارتين، لأننا صُرنا محاطين بمثقف كاذب وهمي. ربما ترتبط هذه الظاهرة بهوس الشهرة وخلق حالة اهتمام مصطنعة باتت تشغل الكثيرين في الآونة الأخيرة. نعم، الكتاب يوزع بنسخه التي لا تتجاوز المئتين نسخة بين المعارف والاصدقاء، وأجده بعد فترة قليلة مطبوعا بنسخة جديدة، ومن يعتمد هذا الأسلوب يسيء إلى نفسه قبل سواه.. وهي خطوة أولى باتجاه الكتابة الهامشيّة المرفوضة أدبيا واجتماعيا. متى يفهم هؤلاء أن الكتابة إضاءة الجانب المظلم من الحياة فكيف تكون الكتابة صادقة إذا كان قلم صاحبها زائفاً”. 

إذا كانت ظاهرة “طبعات الكتاب المتتالية والمتكررة في الفترة الأخيرة، قد أثارت الكثير من ردود الأفعال من مثقفين وناشرين، فما هي الضوابط التي تحدد عدد طبعات الكتاب الواحدة؟، عن هذا يقول أحمد عبد القادر وهو أحد موظفي دار المتوسط للنشر والتوزيع: الناشر هو من يحدد عدد طبعات الكتاب”، وأوضح “أن كل دار ولها سياستها الخاصة في النشر”، مضيفًا “في دار المتوسط عادةً ما يطبع الكتاب بأعداد كبيرة حتى يسهل على القارئ شراء الكتاب، فكلما كان عدد الطبعة محدوداً كان سعره غاليًا. لكننا وفي الغالب نتعاقد مع المؤلف على عدد نسخ الطبعة الواحدة للكتاب ما أن تنفد نقوم بطبع النسخة الثانية، وهذا الأسلوب يُقلل من التزييف والوهم الثقافي”.

ويقول الكاتب والمسرحي الدكتور علي عقيل مهدي: “عادةً ما ينصرف ذهن القارئ إلى اعتبار الكتاب بطبعته الثانية بوصفه يستحق الاقتناء في الميدان الذي يستهوي نمطا من التخصص في حقل معين وربما ينشر الكاتب نسخا معدودة لتحمله تكاليف النشر.. ويضطر الى إعادة طبعه ثانية اما بخلاف ذلك فيبقى الكتاب الزائف هامشيّا مهما زوّق بتلفيقات وكما قيل وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟، إذ سرعان ما تسقط الاقنعة المصطنعة عن وجهٍ خالٍ من التعبير والفطنة والذكاء ويفتضح تسطحه بما يخفيه من ملامح دلالية مندرسة خامدة”.