من يتصور أن الواقع السياسي هو محض مسرح قائم بذاته كأي حكاية تدور أحداثها بين أبطالها فقط فحسب فهو واهمٌ لأنَّ الواقع السياسي شديد التأثير والتأثر بكل المجالات فهو عاكسٌ لنفسه حتى بأدق مشكلات حياتنا فعدم وجود سلطة للقانون يعني عدم وجوده أصلاً وبالتالي لا حماية للضعيف أمام القوي والمحصلة مجتمع غابة
بامتياز.
فوضى النظام السياسي وتسويفه ومماطلته وتجاهله لمطالب الشعب واحتياجاته واعتبار المواطن كرة غولف في أي معاملة أو مطلب هو سياسة ثابتة في كل الدوائر والمؤسسات وحتى النقابات ومنها نقابة
المحامين.
بحلول العام 2003 استوردنا الديمقراطية جاهزة ومعها كل سلبياتها وقدر بسيط من الإيجابيات ودفعنا ثمن التعددية الحزبية غالياً، فبتزايد أعداد الأحزاب تزداد حاجتها للتمويل والذي قد يكون غير مشروع وهو الغالب والمستتر والتمويل المشروع وهو الظاهر متمثل بالجامعات الأهلية، ولذلك نرى كثرة غير اعتيادية في أعدادها، ما جعل عدد الطلاب المتخرجين في كليات القانون الأهلية منها والحكومية أكثر من سبعة آلاف طالب وطالبة واختفت عند هذا الحد منحة التفوق التي تمنح للطالب المجد بكلية ليست بمتناول الجميع ولقبٌ علميٌّ يُكسبُ الإنسان مركزاً اجتماعياً ومادياً قوياً.
أصبحت المهنة الآن متاحة للجميع المتفوقين وذوي المعدلات المنخفضة وبذلك أفقدتهم الشعور بالعدالة أثناء الدراسة وكذلك ما بعد الدراسة في مجال
العمل.
بازدياد شكاوى القضاة من مستوى المحامين الجدد مهنياً بسبب الدراسة السطحيَّة في الكليات الأهلية بالغالب، وكثرة أعداد الطلاب في الكليات الحكوميَّة التي لا تجعلهم يحصلون على قسط جيد من التعليم وازدياد شكاوى المحامين لنقابتهم من كثرة أعدادهم التي جعلت التنافس على العمل تنافساً ضارياً، بحيث أصبح المحامون الجدد يقبلون بأبسط الأتعاب فقط من أجل العمل وأياً كان مستوى هذا العمل ودرجة الجهد فيه. طفت تلك المشاكل للسطح معلنة عن
وجودها.
انتباه نقابة المحامين لكل تلك الأمور جعلها تبادر إلى وضع حلول لكنها كانت حلولاً ترقيعيَّة وليست حلولاً جذريَّة بالمرة متمثلة بمقترح النقيب السابق الفيصل بتأسيس معهد للمحامين مدته سنتان عقب التخرج في كلية القانون ومن يجتازه من الطلاب يحصلُ على هوية المحاماة التي تخوله بالعمل ومن دونها يحاسب قانوناً
، وهذا الأمر يعدُّ ميزة تميز تلك النقابة عن غيرها من النقابات ويجعلها
الأقوى.
وبسبب ضغط الطلاب وإضرابهم وتظاهراتهم تم التنازل عن المقترح لتعود تلك المشكلة بعد سنتين حاضرة في جدول أعمال النقابة لتقرر رفع رسوم الانتماء التي وصلت إلى نصف مليون دينار عراقي للمتخرجين في الكليات الحكوميَّة وسبعمئة ألف دينار عراقي للمتخرجين من الكليات الأهلية
، علاوة على امتحان إلكتروني أقرب ما يكون الى الشكلي منه الى الفعلي ولم تشكل تلك الرسوم التي ما عادت رسوماً بالمعنى الحرفي عقبة أمام طالبي الانتماء، فتقرر النقابة رفع الأجور أكثر إضافة إلى امتحان الكتروني داخل مقر النقابة وأيضاً لم يشكل هذا القرار عقبة مع طالبي
الانتماء.
مماطلة النقابة الآن مع طالبي الانتماء وهم أصحاب حق مكتسب بالحصول على هوية تؤهلهم للالتحاق بالعمل هي حلٌ غير مجدٍ أو نافعٍ أو حتى طويل الأمد وتجاهل النقابة لهذه الأعداد الضخمة فعلٌ غير أخلاقي بالمرَّة. يجب أنْ تتخذ قراراً قطعياً بشأنهم وعدم تركهم يتأملون الحصول على حقهم في كل لحظة ومع كل قرار يصدرُ من
النقابة.
مصارحة المحامين بالسبب الحقيقي لكل تلك المشاكل هو الحل، واعتراف النقابة بعجزها عن حل تلك المشكلة إذا ما تدخلت الدولة متمثلة بوزارة التعليم العالي لتقليل أعداد المقبولين في كليات القانون الأهلية برفع معدل الدخول إلى تسعين بالمئة وكذلك في الكليات الحكوميَّة وإغلاق تلك التي تدرس مواد القانون سطحياً فقط من أجل رضا الطالب وجني المزيد من الأموال.
إنَّ ادراك المحامين والنقابة أنَّ الحل يكمن هنا بسبب سيطرة الأحزاب على تلك الكليات سوف يشكل ضغطاً من شريحة واسعة جداً ومتزايدة وهي شريحة المحامين تعبدُ الطريق أمامهم للوصول إلى هدف ترصين المهنة وباتباعه لن تترك النقابة تواجه المشكلة بمفردها ولا المحامين وطالبي الانتماء بمفردهم.
إنَّ اعتبار طالبي الانتماء مجرد دعاية انتخابيَّة مجانيَّة كما حصل في الدورتين السابقتين هو تصرفٌ مهينٌ لكرامتهم ويضعفُ من متانة العلاقة بينهم وبين نقابتهم في ما بعد ولذلك يجب جمع الجمعية العامة وإجراء المصارحة معهم بوجود كل تلك المشاكل من أجل الوصول إلى حل، وإلا من المستحيل ألا يكون بين كل أولئك المحامين من هو قادر على اقتراح حل مناسب مرضٍ للجميع واعتبار ذلك هو استهانة بهم
وبقدراتهم.
شبح الترصين يجب أنْ يختفي، فهناك متراكمٌ من المشاكل غيره يستدعي الانتباه والاهتمام من النقابة والمحامين معاً. أما إلهاء الجميع بهذا الشبح فهو تقليلٌ من
شأنهم.