فراشات البصرة تعود من جديد

آراء 2019/04/12
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 كانت آخر زيارة لي لمحافظة البصرة عام ٢٠١٤ .. وبعد مرور ما يربو على الأربع سنوات قُدّر لي أن أزور هذه المحافظة تارة أخرى .. ربما لم تشهد البصرة تغييرات واضحة في واقعها عما كان عليه حالها عام ٢٠١٤، ذلك لان البلد مر خلال هذه الفترة بسنوات عجاف، أوقفت الكثير من المفاصل المهمة في جسد الحياة في العراق، إنما بنحو عام، فإن الحياة لم تتوقف، بل استمرت، بفعل الفعل العراقي الأصيل، وفيها تمكن العراقيون من تجاوز محنة مزدوجة الرأس، تمثلت بداعش والنفط، لتبدأ الحياة من جديد، وإن كانت هذه البداية مازالت متواضعة، وهو امر طبيعي في ظروف صعبة ومعقدة واجهتها البلاد، والحال هنا يشبه إلى حد كبير، إنسان أُصيب بمرض خطير ولكنه شُفي منه، وفي مثل هذه الحالة فإنه بحاجة إلى مرحلة انتقالية تسمى بمرحلة النقاهة والتعافي، إلى ان يعود إلى وضعه 
الطبيعي .. ولأن البصرة عضو مهم من أعضاء الجسد العراقي، فقد تداعت مع باقي الأعضاء بالسهر، وكان من ملامح هذه التداعي، تلك الوقفة البطولية لابنائها مع باقي اهلهم العراقيين للذود عن حياض الوطن وطرد فلول الظلام بعيدا، فكان هذا الموقف يمثل اشراقة كبيرة، مثل اشراقة شمس الله في ارضه، وإذ تضع الحرب أوزارها ويعم السلام ارض السلام، يعود البصريون لممارسة مفردات حياتهم، من دون ان ينسوا، مطالبتهم بحقوقهم، التي ينبغي ان تتناسب مع حجم عطائهم للوطن .. فكان البصريون دوما يمثلون صوت الوطن والمواطن، من خلال مظاهراتهم وسعيهم الدؤوب لتشخيص مواطن الخلل والضعف في مفاصل الجسد الحكومي، فكان لهذا الحراك دورا واضحا في تحريك المفاصل المتكلّسة في الدولة، نتج عنه إجراءات وخطوات وقرارات حكومية مهمة لمصلحة البصرة واهلها، وان لم تكن تلك الإجراءات بمستوى سقف طموح البصريين، ولكن يمكن القول انها حركت الساكن وقطعت الطريق أمام من كان يريد بالبصرة سوءًا، من خلال محاولات الإساءة إلى المتظاهرين عبر تخريب الممتلكات العامة، وقد شاهدتُ بأم عيني حجم الخراب الذي لحق بمبنى المحافظة والمباني المحيطة به بعد تعرضها للحرق والتخريب 
المتعمد.. 
ولكن، أقول، على الرغم من كل الظروف التي احاطت بالبصرة واهلها خلال الفترة السابقة، إلّا ان  الذي يتجول فيها، بامكانه ان يرصد اشراقة هنا وتغييرا هناك، قد لايشعر به أهلها بحكم الاعتياد على المشهد والتعود عليه، أما أنا ولانني لم أز البصرة منذ سنوات عدة، فقد رصدت مثل هذه الإشراقات التي اعتقد انها يمكن ان تدفع باتجاه تغيير مسارات التنمية في المحافظة ..
الإشراقة الاولى تمثلت بمشهد الفراشات الملونة في شوارع البصرة، وهنا ينظر البصريون إلى هذا المشهد نظرة امل وتفاؤل، لانهم لم يتمتعوا بمثل هذه اللوحة الجميلة منذ اكثر من عقدين من الزمان، فهم يرون في ظهور الفراشات دليلا على تحسن البيئة  وملاءمتها لعيش افضل ..أما الإشراقة الثانية، فقد تمثلت بذلك الجسر الابيض الذي أُنجزَ  مؤخرا فوق شط العرب ويربط مركز المحافظة بمنطقة التنومة، ويعد هذا الجسر الذي يسميه البصريون (الجسر الايطالي) معلما بصريا عراقيا مهما، يبلغ ارتفاعه اكثر من ٣٠ مترا، ويربط مركز المدينة بمنطقة التنومة في الضفة الأخرى من الشط، اذ تغيرت الحياة إيجابيا في التنومة والمناطق الأخرى بعد إقامة هذا الجسر الذي  عندما  ترتقيه، يعطيك مشهدا بصريا في غاية الجمال ..
ليس هذا وحسب، فثمة اشراقة أخرى، تبعث الامل في النفس، تلك هي “مدينة الامل”  السكنية في منطقة “الطوبة والنخيلة”، وهي عبارة عن مجمع سكني مترام في غاية الجمال، عندما تتجول في ارجائه تشعر انك في بلد آخر، ويضم مرافق هي الاخرى بطرز حديثة (رياض اطفال - مدارس - اسواق.. الخ )، اما النظافة في هذه المدينة، فهي لافتة للانظار فعلا ..
وما يلفت نظر المتجول في البصرة أيضا، وجود شركات تابعة للقطاع الخاص، يمكن عدها مؤشرا تنمويا مهما باتجاه تحقيق الشراكة مع القطاع العام، ومن بين تلك الشركات، -وأتمنى ان لا يُحسب كلامي هذا من باب “البروبغندا” أو الدعاية- ، هي شركة (النرجس للمقاولات)، وهي شركة عراقية بصرية، وجدتها تمثل قصة نجاح حقيقية مهمة في قطاع المقاولات العراقي، وتدار  بنظام  متطور جدا ، يعمل فيها اكثر من ١٥٠٠ موظف على مدى ٢٤ ساعة ولديها اكثر من ٣٥٠ آلية متطورة، ومع بداية كل “شفت” عمل، يتجمّع الموظفون بأسلوب حضاري، ثم يتوجهون الى آلياتهم وسيارتهم بانساق جميلة، ليبدؤوا عملهم بنحو متكامل ...
وفي إطار قصص النجاح البصرية، لايمكن لزائر البصرة ان يغض الطرف عن مركز التدريب النفطي الذي يعد من المراكز المهمة في العراق، يعمل بآليات ومناهج متطورة، ويسهم في رفد الشركات النفطية بالملاكات المهنية بخبرات عالية.
والإشراقة الأخرى، رأيتها في شط العرب، الذي شهد ارتفاعا في مناسيب المياه العذبة، وهذه المياه هي التي دعت فراشات البصرة الجميلة إلى التحليق في إرجائها، باعثةً أملا جديدا، بإشراقات اكثر بهاء ونماءً.