قبل 16 عاماً أسقط الأميركان النظام السابق. نعم الأميركان لا غيرهم بدباباتهم وجيوشهم وباقي أسلحتهم الثقيلة منها والخفيفة والمتوسطة. ففي التاسع من شهر نيسان عام 2003 كانت الدبابات الأميركيَّة تتجولُ في أرجاء العاصمة بغداد بكامل حريتها منذ ساعات الصباح الأولى. كان وزير الإعلام آنذاك محمد سعيد الصحاف يعطي إيجازه الصحفي اليومي للعشرات من مراسلي وكالات الأنباء من على إحدى شرفات فندق فلسطين ميريدان. كان يقول: “كل شيء تمام والأميركان على وشك الهزيمة”.
كنا نحن الصحفيين وممثلي وكالات الأنباء العربيَّة والأجنبيَّة “نباوع” على الضفة الأخرى لنهر دجلة وبالذات أبنية القصر الجمهوري في كرادة مريم “المنطقة الخضراء حالياً” حيث كان منظر المئات من جنود الحرس يهربون بمحاذاة النهر. في الوقت نفسه صعدت دبابة أميركيَّة عملاقة جسر الجمهورية باتجاه الرصافة حيث لا وجود لعيون المها ولا “البطيخ” بين “الرصافة والجسر”.
سرعان ما انسحب الصحاف بعد أنْ أعطانا الإيجاز الأخير, وكان الانسحاب الأخير. كان الترقب سيد الموقف. هل سقطت بغداد أم الصحاف فقط. هل ما زال النظام قائماً أم سقط؟ أسئلة وتساؤلات كان من الصعب على أي صحفي الإجابة عنها. كانت لحظات فارقة تماماً ومجهولة الإجابات والاحتمالات.
في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر التاسع من نيسان تقدمت دبابة أميركيَّة ضخمة نحو تمثال ساحة الفردوس. كان الجو مهيأً لكل الاحتمالات ما عدا مقاومة الأميركان. الموضوع كان مختلفاً. على الأميركان إسقاط صدام وعندها لكل حادثٍ حديث. هل نشكرهم مثلاً؟ اختلفت الإجابات وتناسلت من الإجابات عشرات الأسئلة. من بين الأسئلة ماذا نسمي التاسع من نيسان؟ عيد للتحرير أم يوم للاحتلال؟ الأمر كان ملتبساً تماماً حتى ظهرت لنا في وقت مبكر حكاية الخارج والداخل.
أي من كان بالداخل في عهد صدام الذي دام 35 سنة أم من كان بالخارج وجاء على ظهور الدبابات؟ هنا اختلفت الروايات “وما آفة الأخبار الإ رواتها”. هناك من قال عراقيو الداخل كانوا أكثر من عانى من النظام السابق. وكانوا مستعدين للتعامل مع الشيطان لكي يسقطوا النظام؟ وهناك من قال إن عراقيي الخارج وخاصة ممثلي المعارضة العراقية ممن أقنعوا الأميركان وعقدوا العديد من المؤتمرات خارج وداخل العراق (في إقليم كردستان) هم الذين أسقطوا صدام بمساعدة الأميركان.
لم يستمر الجدل طويلاً. الأميركان من جانبهم حسموا الجدل لصالح الطرفين حين جاؤوا على قميصنا بدم كذب ومن بعدها ذهبوا الى مجلس الأمن عشاءً يبكون قائلين له: (تره إحنه كنا نمزح مع الجماعة.. نحن قوة احتلال).
هذه بحد ذاتها جاءت من السماء لكل الطبقة السياسيَّة التي بدأت تتسلل أو تنوي التسلل الى المواقع والامتيازات بعراقيي داخلها وخارجها. كل من أرادَ البحث عن حجة لكي “يقلب ظهر المجن” للأميركان فقد منحه الأميركان ألف حجة وحجة لكي يبدأ مرحلة من الجدل العقيم لا تزال مستمرة منذ 16 حول نيسان.. زين لو موزين؟ أما الإعمار والبناء والمخدرات وسد الموصل واللسان الملحي والكتلة الأكبر و”شلون حالي وشلون” فهذه مجرد.. وجهات نظر.