هل يتأثّر النصّ الأدبي بقراءة التاريخ وتقلّباته؟

ثقافة 2023/03/04
...

  علي لفتة سعيد


يقال أن لا ثقة بمن ينقل التاريخ، كون الذي ينقله هم المنتصرون. مثلما ينقله الموالون للحقبة التاريخية أو المتأثرون بأجندات، ورغم أن هذه المقولات هي جزء من الحقيقة لكنها ليست الحقيقة الكاملة التي تقول إن الذين ينقلون التاريخ هم وحدهم أصحاب الفضل في معرفة خفايا ما حصل. فالتاريخ ليس فقط أحداثًا شائكة ومشكلات حروب وتاريخ أشخاص بل هو أيضا تراكم معرفي وعلمي وثقافي. لذا فإنّ السؤال.. هل يتأثر النصّ الأدبي بأفكار المنتج المنحازة لهذا التاريخ أو ذاك؟ هل ما تم نقله من أحداث الواقع العربي على مر العصور هي أحداث حقيقيّة؟ هل يتأثر الباحث بأجندات وموالاة؟ هل يحتاج الباحث لأن يكون مثقفا واعيا أم فقط يمتلك القدرة على البحث والتدقيق؟ وهل يتأثر النص الأدبي بأحداث التاريخ غير الموثوق بها؟.


أصناف

المؤرخ الدكتور حسن عبيد عيسى يقول إنّ "التاريخ مجال فكري وسردي له من الخطورة ما يتفوق فيها على كل الآداب التي عرفها البشر منذ أن اخترع العراقيون القدماء الكتابة.. فلقد كان ملوك العراق القدماء يؤرخون كل شيء، وخاصة معاركهم.. ولدينا اليوم عشرات المسلات الحافلة بالأحداث الحربية التي صنعت تاريخ تلك الأزمنة.. ولقد وجدت أن ما كتبوه على صفحات تلك المسلات كان صادقاً.. فهم قلما تعرضوا إلى انتكاسات عسكرية وهزائم حربية.. وعندما يتعرض أحد ملوكهم إلى مثل تلك الانتكاسات، فإنّه لم يدع الانتصار، ويكتب سير المعركة بأسلوب يجعلك تشمُّ رائحة الخسارة التي مني بها الملك". ويضيف: لعل العرب قبل الإسلام استعملوا الشعر كوسيلة لتدوين وقائعهم وتواريخهم، ولكون الشاعر منتمياً إلى قبيلة ويُعدّ أحد مفاخرها، لذلك فهو معنيٌّ بتحسين وقائعها وتزويقه، وتلطيخ وقائع الخصوم بالعار والشنار.. وقلة منهم من توخى الحياد. 

ويشير إلى أن المصيبة التي أبتلي بها تاريخنا، ظهرت وتجسّدت عندما تصدّى المؤرخون المسلمون لتدوين تاريخ أزمانهم، فهم هنا إما مؤرخون رسميون يكتبون على وفق إملاءات زعمائهم، وإما أنهم كتبوا التاريخ بجهد فردي وغير رسمي ولكنه كتب تحت خيمة حاكم مستبد، ويفسّر من أن كلا الصنفين لم يكن يتوخى الصدق في كتابته، فالأول دوّن الأحداث بما يرضي غرور السلطان. والثاني كتب بما لا يغيض السلطان ويجعله يصب جام غضبه على المؤرخ. لذا فإنّ الكتابة التاريخيّة المحايدة لم تكن حاضرة باستمرار على مدى حقب الدولة الإسلاميّة. ولا نجد حاجة الى إيراد الأمثلة فذلك مما ينطبق على كل من دوّن التاريخ بأسلوب الحوليّات .

أما إذا زعم البعض بأن هناك صنفاً ثالثاً لم يكتب للسلاطين، ولم يخشَ بطشهم، فإنّه كتب على وفق رؤية خاصة، ولنقل أيديولوجيا يعتنقها مما جعله يصطف مع مؤرخي الصنفين آنفاً.. ولنضرب مثلا بجزئية صغيرة جداً، هي تناول ابن خلدون لقضية الإمام الحسين، فهو لم يكتب عنها إلا بضعة أسطر، وجعل القارئ يحس أنه توقف عن الكتابة، من دون أن يبرر ذلك.

وعلى الرغم من تطور المعرفة التاريخية وولادة منهج البحث التاريخي، فإنّ من أهم شروط هذا المنهج الحياد.. وعندما نبحث عن الحياد، نجده في أغلب كتابات المحدثين نسبياً، وقد يغيب عن كثير منها، ويبرر البعض ذلك عندما تواجهه بحقيقة انحيازه، بالقول إن المؤرخ إنسان وله مشاعر وأحاسيس، وهو من ثم يتأثر بما يدوّن.. ونحن هنا نعتقد أن غياب الحياد في بعض الكتابات التاريخية، قد يكون مبرراً إلى حدٍّ ما عندما يكون التدوين التاريخي متعلّقاً بحالتي الشر والخير، فليس ثمة حياد في هذه المسألة، وهي حالة ضيقة لا يمكن أن تعد قاعدة يبنى عليها.. القاعدة الأساس هي الحياد، والشذوذ هو الانحياز حتى في الحالة التي جعلناها مثالاً لما نريد هنا.


إثبات المعلومة

الشاعر والباحث والطبيب السوري الدكتور نزار بني المرجة.. يؤكد أن الرواية التاريخيّة لأي حدث أو واقعة غير جديرة بالثقة المطلقة مالم تحظَ بتقاطع لروايات من زوايا مختلفة لهذا الحدث أو ذاك، وأقصد بالاختلاف هنا.. اختلاف وتنوع الخلفية الفكرية والعاطفية والسياسية للرواة وصولا "لتدوين رواية صادقة لحقيقة ما حدث.. فمن يراجع الكثير من كتب التاريخ العربي والإسلامي مثلا"، يلاحظ من دون عناء التضارب والتناقض الحاد في كثيرٍ من الأحيان بين روايات عديدة لذات الحدث نتيجة اختلاف مشارب وخلفيات الرواة..، وعلى سبيل المثال لا الحصر نلاحظ اختلافا "يصل حد التناقض بين مدح وذم فيما يروى عن الخليفة هارون الرشيد..

وحريٌّ بالمثقف الواعي في عصرنا أن يبذل قصارى جهده لتوضيح الصورة في أذهان العامة وهذا الأمر يجعل مهمته غير سهلة على الإطلاق.. فهو بحاجة لأن يقارن ليثبت المعلومة الصحيحة في المحصلة ويدحض الكذب والافتراء والتطاول على التاريخ والحقيقة..

لأنّ تنقية تاريخنا من الشوائب.. من شأنه ان يسهم في النتيجة في بناء ثقافة حقيقيّة.. تساعد على ترسيخ الشخصية الأنموذج، مثلا "التي يمكن أن تتحول إلى رمز يمكن أن يوظف لاحقا" في عمل فكري أو أدبي.. أجل.. يتأثر النص بالأحداث التاريخية وأنموذج البطل أو الأسطورة إلى حدٍّ بعيد..، عبر ظاهرة الإسقاط من الموروث على المعاصر في تقاطعات منطقيّة.. تبرر ذلك الإسقاط..، وهذا الأمر لاحظناه ونلاحظه في الكثير الكثير من القصائد والمسرحيات وحتى القصص والروايات.. حيث ينم توظيف رمز أو أسطورة أو واقعة تاريخيّة ذات دلالات من باب أنَّ التاريخ قد يعيد أو يكرر نفسه بشكل معاصر.. وهذا الأمر يكرّس حقيقة وجود العواطف والنوازع الإنسانيّة السلبيّة والإيجابيّة التي قد تكرر ذاتها بقوالب جديدة عبر الزمن..


تنافس الحضارات

الأكاديمي في كلية الآداب بجامعة المثنى الدكتور واثق حسن الحسناوي يشير الى انه من خلال قراءة فاحصة ومدققة للتاريخ العربي والاسلامي، لا شك ان المتعمق في قراءة هذا التاريخ، سيجد انه كُتب من قِبل المنتصرين عسكريا او سياسيا او اقتصاديا او ادبيا او فنيا، فجميعُ ما ظهر على سطح التاريخ لديه ظلال خفية مهمّشة، قد تكون هي التاريخ الحقيقي، بدليل ان علم الاركيلوجيا –تحديدا- كشف الكثير من المغالطات والادلجات والترهات والخرافات، التي لمَّعت تاريخ شخص او أمة او جماعة ما ادعت الأفضليّة، وقبَّحت تاريخ أمم وشعوب وجماعات أخرى. لذا نجد أن مهمة الباحث اليوم أن يكون باحثا موضوعيا ومحققا قانونيا في جميع النصوص التاريخية، وان يخضعها جميعا للمساءلة والعدالة واشتراط السياق والتأرخانية بعيدا عمّا كتبه المنتصرون القهريون أو وعاظ السلاطين. علينا اعادة الأمور الى نصابها الصحيح عبر قراءات أكاديمية منهجية تفكيكية حداثوية فاحصة ومعمقة ودقيقة أشبه بالمشرط أو المقص. ما وصل الينا من تأريخ عربي أو إسلامي امتدت له أصابعٌ اجنبية استغلّت ظروف ضعف الخلافات والحكومات العربية وتنافس الحضارات والدول المجاورة، فتفشت في مفاصل الدول العربية ودوّنت تاريخها بحسب ما تشتهي هي ويخدم اجنداتها الخارجية، فقدّمت لنا تاريخا اشكاليا مُلغّما عبارة عن حقل الغام، وضَعنا في حرجٍ أمام اجيال المستقبل. فالعلوم الحديثة قدمت لنا اليوم الكثير من الحقائق الدامغة والقيمة التي كشف عورة التاريخ الملطخ بالثغرات والترهات والمغالطات وزيف الشعارات وفساد الحكومات، وتعارض المعتقدات وصياغة وصناعة التاريخ على وفق مقاس المنتصرين وتابوهات صعب الانفلات منها لتقديم تاريخ حر ناصع، وإلا كيف نفسر وجود كم هائل من الفرق الاسلامية المتشاكلة او المتناحرة فيما بينها مثلا؟! أو كيف نهضم التاريخ الاموي دفعة واحدة كونه التاريخ المنتصر مثلا؟! او كيف نستوعب الكم الهائل للشعارات الوطنية والعربية والقومية والايديولوجية (الاشتراكية، العلمانية، الليبرالية، الاسلاموية، الحداثوية،....) التي نادت باسم الوطن والعروبة والحرية والديمقراطية وحقوق الشعوب وتحرير البلدان والتي صارت هباءً منثوراً؟! كيف نصنف الجموع او الجماهير أو الشعوب العربية العربية في حينها، وما هو دورها ازاء هذه الحركات او النظريات بخاصة موقفها من الكيان الصهيوني الغاصب والصراع السوفيتي الامريكي الامبريالي؟! علينا اعادة قراءة التاريخ على وفق مقاييس حداثوية أبستمولوجية، بعيدا عن الشعارات والترهات والمعتقدات الزائفة، التي واصلتنا الى الحضيض للأسف. نحن بحاجة الى عقول مفكّرة لا إلى جموع متحجّرة .


صفات المؤرخ

استاذ التاريخ جامعة سوق أهراس الجزائري لبناقرية عبد الرحمان يذكر أن ابن خلدون عرف التاريخ بأنَّه في حقيقة أمره نظرٌ وتحقيقٌ؛ وتأمُّل ودراسة وفحص لمختلف أوجه النشاط البشريِّ فيما مضى من العصور؛ لرصد أسباب الظواهر التاريخيَّة المختلفة، ولكشف جوانب العلاقة السببيَّة في طيَّات الأحداث التاريخيَّة، ورصد بدايات الأحداث ومعرفة أصولها. ويخلص ابن خلدون إلى أنَّ التاريخ أصيلٌ في الحكمة وعريقٌ، ولما كانت الحكمة أسمى مراتب المعرفة، ومن ثم فإن فهم التاريخ ضرورة حضاريَّة لفهم الإنسان من خلال تاريخه، فما الحكمة سوى المرتبة العليا في مجال المعرفة، والمعرفة الحقة هي معرفة الإنسان بذاته.

ومن تعريف التاريخ عند ابن خلدون، يظهر بأنّه أداة للكشف عن صراعات المجتمعات البشريَّة، وما يترتَّب عليها من قيام الدول المختلفة ونشوء مراتبها. ومن خلال تعريف التاريخ عند ابن خلدون يتّضح أنه أدْرَك أهميَّة البيئة في صياغة التاريخ باعتبارها مسرحًا له، ومن ثم يُعدّ التاريخ استكشافًا كُليًّا لتطوُّر أحوال البشريَّة منذ بداية الخليقة، ومحاولةً لحلِّ اللغز المتعلِّق بالوجود البشري في الكون، فضلًا عن مصير الإنسان في الحاضر والمستقبل. ومن خلال تعريف التاريخ هذا، يتّضح أنّه علمٌ يتعلَّق بالمكان والزمان بما فيه من وقائعَ وأحداث، وما يكون لها من أثرٍ في حياة الناس. ويشير الى أن صفات المؤرخ الناجح، فعليه أن يكون عالمًا محبًّا للدرس، ذا جلد، وصبوراً فلا تمنعه وعورة البحث، والمصاعب، والعقبات عن مواصلة العمل ولا توقفه ندرة المصادر، ولا يصرفه عن عمله غموض الوقائع واختلاطها واضطرابها. كما عليه أن يتصف بالأمانة والشجاعة والإخلاص، فلا يكذب ولا ينتحل ولا ينافق أصحاب الجاه والسلطان ولا يخفي الوقائع والحقائق التي قد لا يعرفها غيره. كما عليه أن يمتلك ملكة النقد؛ فلا يقبل كل كلام أو يصدق كل وثيقة أو مصدر بغير تفنيد وتمحيص واستقراء، فيأخذ الصدق أو ما قارب الحقيقة. وعليه أن يبتعد عن حب الشهرة والظهور، والاحتفال بالكسب والألقاب والجاه والمنصب، وأن يكرّس نفسه لعمله العلمي في صمت وسكون.

وعلى المؤرخ أن يتصف بالترتيب، وأن يكون ذا عقل واعٍ ومرتب ومنظم؛ لكي يميز بجلاء بين الحوادث، وينسق الحقائق ويحدد العلاقة بين حوادث التاريخ في الزمان والمكان، ويربطها في اتساق وتوافق. ومن أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها الموضوعية وعدم التحيز والتحرر من الميل أو الإعجاب أو الكراهية لعصر خاص أو ناحية تاريخية معينة أو لشخص بعينه. كما عليه أن يكون ذا ذوق رفيع وصاحب إحساس وعاطفة وتسامح وخيال، بما يتيح له أن يدرك آراء الآخرين ونوازعهم، وما يجيش في صدورهم من شتى العواطف، والدوافع التي حركتهم لاتخاذ سلوك معين في الزمن الماضي، فآثار الإنسان تتحدث إلى قلب المؤرخ المجيد فيجد في ثناياها صدى البشر وصدى نفسه وتتجلى فيه روح العلم والفن، ويبعث التاريخ حيّا ويحيا في التاريخ ويعيش للتاريخ.


الباحث وعلاقاته

الباحث والأكاديمي والناقد رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي- الدكتور خالد التوزاني يقول: إن سؤال من ينقل التاريخ ويبحث فيه؟، سؤال دقيق وعميق، والإجابة عنه لن تكون مغلقة أو نهائية، فالتاريخ كما نعرفه وخاصة التاريخ الذي يدرس في المدارس والجامعات، ذلك التاريخ الرسمي لا يقول كل شيء، لأنه نوع من التاريخ الذي يدوّنه رجال السلطة؛ يدوّنون أخبار الحكام والدول والانتصارات والمعارك والمنجزات، ويذكرون أخبار الزعماء والحُكام وسيرهم وما قاموا به من أعمال، يريدون أن تبقى في الذاكرة، وهذا النوع من التاريخ متأثر بالصراعات السياسية، ولذلك تشوبه الكثير من البياضات والفراغات، هناك مساحات هائلة من المسكوت عنه، أو الغائب الذي لا نعرف عنه شيئاً، أين تاريخ تلك الوقائع المُغيّبة أو 

المُبعَدة؟

ونفهم من ذلك أن هناك من يكتب التاريخ ولكن لا يكتب كل شيء، يختار الاحداث التي يريد توثيقها، ويهمل أو يهمش الأحداث التي لا يريد توثيقها. وهذا يدفعنا لطرح التساؤل حول مدى الثقة بمن ينقل التاريخ أي المؤرخ، ما هو حجم المصداقية التي يمكن أن يتمتع بها المؤرخ، تلك المصداقية التي تأتي موازاة مع مساحة الحرية والاستقلالية التي يتمتع بها المؤرخ وهو يكتب 

التاريخ.

بالطبع أن التاريخ ليس فقط أحداث وأعلام وأخبار الأمم الغابرة، إنّ التاريخ تراكم معرفي وعلمي وثقافي، ويبقى التساؤل الذي يُعاد طرحه مراراً، وينبغي أن يظل مطروحاً، ومتجدداً، لأنه سؤال مشروع وأساسي هو: هل ما تم نقله من أحداث الواقع العربي على مر العصور هي أحداث حقيقيّة؟

إن هذا التساؤل يدخل ضمن المنهج العلمي القائم على مبدأ الشك المؤدي إلى اليقين، بحيث ينبغي للباحث أو القارئ الحكيم أن لا يقبل كل شيء بشكل عفوي وتلقائي، بل المطلوب مواجهة العالم والتاريخ بالشك الفلسفي، من أجل تأسيس معرفة قائمة على أسس واقعية ومنطقية تعلي من شأن العقل. ويذكر ان علاقة الباحث بالمحيط الاجتماعي والسياسي أمر لا يمكن إنكاره، فالأجندات والموالاة، تحضر بشكل صريح أو ضمني في أحكام الباحث وأحياناً قد تؤثر في نتائج بحوثه، وهذا موضوع يرتبط بالعلم والإيديولوجيا، ويرتبط كذلك بقضية الذاتية والموضوعية، هل العلم محايد؟ هل البحث العلمي يبحث عن الحقيقة من دون أي تأثير في مسار هذا البحث؟ إن المتأمل في عمل أكبر المؤسسات البحثية العالمية، يجد أن البحث العلمي يحتاج إلى تمويل ودعم، وهذا التمويل تقدمه الحكومات أو بعض الجهات التي يكون غرضها الترويج لأفكار معينة أو إضفاء المشروعية على تيار ما، أو التأثير في مجتمع معين أو حتى مجتمعات أخرى، ولذلك تموّل البحوث التي تسير في اتجاه معين لتحقيق أهداف تلك الجهات، وهذا الأمر نراه في كل مكان في العالم، فحتى الدول المتقدمة التي تعتبر نفسها مهد العلم والديمقراطية والشفافية والنزاهة، نجدها تدعم وتزكي بحوث معينة وتهمل أو تهمش بحوث أخرى، لسبب واحد هو عدم انسجام تلك البحوث مع غايات هذه الدول والحكومات، ولذلك يجد الباحث نفسه محاصراً بقوانين العلم التي ينبغي أن تظل سامية وفوق كل السلط الأخرى، وبتوجيهات الجهات الداعمة أو المجتمعات التي ينبغي للباحث أن يحترم قوانينها وعاداتها واختياراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إنّها وضعية الحيرة والتردد التي يقع فيها الباحث بين الميل إلى جهة على حساب جهة أخرى، والمؤسف هو أن يؤدي البحث العلمي نفسه ضريبة هذا التداخل في 

المصالح؛ مصالح العلم والعقل ومصداقية الباحث، ومصالح الحكومات والمؤسسات الراعية للبحث العلمي، وإلا لن تموّل البحوث ولن يكون للباحث أي إمكانات لممارسة مهامه العلمية التي تبقى حبيسة المكتبات أو الرفوف ويبقى نشاطه بعيداً عن الأضواء وبعيداً عن دائرة التأثير والفعالية.

ولذلك يحتاج الباحث لأن يكون مثقفا واعيا وحكمياً، وليس فقط يملك القدرة على البحث والتدقيق، من أجل معرفة كيفية تجاوز عقبة تداخل المصالح، وحتى لا يتم استغلاله لأغراض غير إنسانية، فالعلم جاء رحمة للإنسانية، ولم يكن باباً للشقاء والبؤس.

 هل يؤثر التاريخ على النص الادبي: نعم يتأثر النص الأدبي بالتاريخ، وبرؤية الباحث، إن النص الأدبي نتاج حصاد العمر وثقافة الكاتب ومشاعره وخبراته، والتاريخ جزء منها، لا يمكن أن يتنزَّل النص من برج منعزل عن العالَم والواقع والتاريخ، النصوص الأدبية هي نفسها تمثل مرحلة تاريخية قائمة بذاتها، ولحظة زمنية تم تجميدها في شكل كلمات وأحداث وأفكار.