عواطف مدلول
أحيانا يكشف الشخص منذ طفولته عن المجال الذي يتمنى ان يعمل به مستقبلا، فكلما سئل ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ يجيب بكل عفوية ذاكرا حلمه، فقد يكون متأثرا بمهنة والديه أو أحد أفراد أسرته، أو ربما زرعت تلك الرغبة بداخله من قبلهم، وتلقى تشجيعا على التفكير بها، لكن بالمراحل التي يبدأ فيها بالتمييز ما بين ما يميل له ويحبه بالفعل، وبين ما لا يفضله، تتغير خياراته ويرسم بوضوح خطوط مستقبله، عندما يجد نفسه ينجذب وينقاد لمجال دون غيره فيعرف إلى أين هو متجه.
سابقا كانت فرص دراسة اختصاصات معينة تكاد تكون صعبة ومحدودة، وليست هناك خيارات أخرى بالمستوى نفسه أمام الشاب، اذا أخفق في الالتحاق بها، لأن درجاته العلمية لا تسمح له بالقبول بها، وكان ذلك التقييم الوحيد الذي يعتمد عليه في اختيار مجال الدراسة، فيستمر يعاني طوال عمره من عقدة عدم بلوغ الهدف، ويشعر بنقص كبير في حياته وتأنيب للضمير، إذ إن درجة واحدة بمعدل النتيجة تقرر مصير انسان طموح، فتكون كالرصاصة، حينما تقتل حلماً كبيراً وتهدر بسهولة تعب السنوات.
أما الآن مع تزايد أعداد الجامعات واتساع المجالات بعد انتشار الكليات الأهلية والدراسة الالكترونية، تغيرت النظرة نحو كثيرٍ من المهن، الذي كان بعضها مرفوضا لأسباب ومعتقدات اجتماعية، إذ بدا الشباب (البنات والذكور)، يسعون إليها بمثابرة وجدية لتحقيق ذاتهم فيها، كما أنهم يخططون من خلالها للحصول على دخل مادي جيد يؤمن لهم شيئاً من الاستقلالية، وأصبحت الدرجة العلمية تحتل المرتبة الثانية، خاصة لدى الأسر التي تتمتع بوضع اقتصادي مزدهر، فيمكن لابنائها دخول أرقى الكليات وأهم الاختصاصات، لذا أضحت الجامعات الأهلية تستقطب عدداً كبيراً منهم، لأنها توفر لهم تلك الفرصة.
هذا الموضوع بات أمراً عاديا بمجتمعنا، لكن ماذا بعد التخرج؟ القرار يكون بيد الشاب نفسه هو من يحدد مصيره مهنته، أما أن يجتهد في أن يكون ماهرا وناجحا ويعكف على تطوير امكانيته، بالالتحاق بدورات تثقيفية يطلع من خلالها على كل جديد ومناسب للمرحلة التي يعيشها المجتمع، والاستفادة من خبرات الذين سبقوه، أو أن يهمل ذلك فتكون أكبر انجازاته أنه يدور بالدائرة نفسها، وبالتالي يسهم في تعرض بلده للتراجع والخراب، وربما يقوده هو وأمثاله الفاشلون إلى التهلكة، جراء أخطائه المتكررة الناتجة عن عدم اتقانه الدور الذي وضع فيه.
برأيي من الأفضل أن يكون شجاعا ويتخلى عن مهنته لمن يستحقها، إن لم يستطع أن يقدم فيها شيئا يخدم نفسه أولا ومن ثم الناس، ويبحث عن أخرى تلائم قدراته بوقت مبكر، وفي قمة نشاطه وحيويته، قبل أن يغادر مرحلة الشباب، فيختصر بذلك الطريق عليه وعلى من حوله، حتى لا تكون خساراته كبيرة مستقبلا ويفتضح أمره، فيبقى مجرد رقم (زائد) بمهنته مهما بلغت سنوات خدمته فيها.