فيلم {العين الزرقاء الشاحبة} واستعارة أقنعة ادغار ألان بو

ثقافة 2023/03/06
...

 دعد ديب 


يتعلق الإنسان عادة بما يخاف منه  بشكل غير واعٍ وغير مدرك، وهذا ما يفسر الإقبال الكبير الذي نلحظه على قصص الرعب والإثارة والانتشار الواسع لجمهور الأدب البوليسي والأفلام السينمائية المثيرة للقلق والخوف، وقد تكون الأسباب الكامنة متراوحة لما فيه من نبش للمشاعر الدفينة والغامضة أو من تفريغ للطاقة العدوانية بداخل كل شخص وتوقع نتائجها، والقلق الناجم من حدوث وتوقع الموت،

فمنذ العنوان يتكأ المخرج سكوت كوبر على العالم الروائي لادغار ألان بو في فيلمه العين الزرقاء الشاحبة  (The Pale Blue Eye) الذي تصدر منصات العرض لعام 2022، من  بطولة النجم كريستيان بيل بدور أوغستوس لاندور وهاري ميلينج بدور ادغار ألان بو، ويصدر عمله بعرض اقتباس لساحر الأدب إدغار آلان بو يقول فيه :"إن الحدود التي تفصل الحياة والموت هي مبهمة وغامضة في أحسن الأحوال من سيحدد أين تنتهي واحدة وأين تبدأ الأخرى؟".

والحقيقة فإن كل من يشاهد هذا العمل يحاول أن يتقصى ملامح التشابه والتواشج بينه وبين نص المبدع ادغار الان بو (القلب الواشي )، ومدى مقاربة العمل لعوالمه، خاصة أن الفيلم أطلق اسم إحدى شخصياته بادغار الان بو، حيث تكون نظرة  العين الزرقاء الشاحبة للعجوز ونظرتها الميتة هي دافع القتل، لأنها تؤرق حفيظة القاتل وتزعجه وتدفعه للتخلص من صاحبها، أما بالفيلم فالأمر مختلف تمامًا إذ يطلب من محقق متقاعد التحقيق في قضية انتحار مجند شاب" فراي" في الأكاديمية العسكرية الأميركية "ويست بوينت"، ليتضح أن في الأمر جريمة قتل وخاصة عندما يتبعها في اليوم التالي شق صدر الضحية وانتزاع قلبه منها، ثم تتكرر الحادثة مع مجند آخر" بالينجر"، ويفر مجند ثالث" سيودارد"  بعدها مما يثير الفضول لمعرفة ما هو الرابط الذي يربط بين هؤلاء  المجندين الثلاثة،  ويختار المحقق واحدًا من طلاب الأكاديمية هو إدغار الان بو"هاري ميلينغ" لمساعدته في حل شيفرة الجريمة، ويخوض هذا الأخير في ملاحقة وتقصي لطقوس ورموز وعلامات ذات علاقة بالسحر والمنجمين، لتفسير ما يرى أن له علاقة وثيقة بانتزاع القلب من الجثة، الذي يرمز للشعور بنبض الحياة والى عنصر المشاعر ليبحث في الدوافع العاطفية لكل ضحية. 

يسود جو البطء في الجزء الأول من الفيلم مما يشعر المشاهد ببعض الملل، ولكن الأحداث اللاحقة تتصاعد بالجزء الثاني عندما تدخل حيز الاتهام أسرة الضابط ماركيز وابنته ليا وابنه أرتيموس، الابنة ليا التي تعاني من مرض غامض يضطرها لممارسة السحر الأسود"، بما فيه تلطيخ وجهها بالدماء والحصول على قلب شاب لتنجو وتتحسن حالتها الصحية، الأمر الذي كاد يودي بحياة بو الذي يهيم عشقًا بها، لولا إن  قام المحقق لاندور بإنقاذه في اللحظة الأخيرة من طقس السحر المميت، يتصاعد خط التشويق بعد ذلك،  فبعد أن يظن المرء أنه تم وضع اليد على الفاعل، وعرف مرتكب الجريمة يخاتلنا ويقوض انطباعنا بتوجيه الانتباه لمرتكب آخر، إلى المحقق لاندور كشخصية كئيبة تعود أسبابها لذكريات غريبة تراوده عن ابنته التي هربت لنتعرف إلى قصة اغتصابها وانتحارها، تلك القصة التي توجعه وتؤرق ذاكرته باستمرار ونتيجة تطور الحوار مع مساعده بو، نفاجأ بأن المحقق هو القاتل،  فهؤلاء المجندون الثلاثة هم السبب في كارثة ابنته، وعندما يحاوره بو إنك كنت ببساطة تستطيع تقديمهم إلى المحاكمة فيرد عليه أنالا أريدهم أن يحاكموا؛ أنا أريدهم أن يموتوا وبالنسبة للهارب الثالث  أريده أن يمضي حياته مرعوبًا من يوم مماثل يكفيه ذلك، ولك أنت مطلق الخيار لتقدمني للمحاكمة إذا أردت، وهنا كان الخيار الصعب، فالمحقق الذي أنقذه من موت وشيك صعب عليه أن يدفعه بيده لنهايته لحكم الإعدام، فيدير له ظهره ويغادر، تاركًا عدالة السماء لتفعل فعلها.   

تختلف دوافع القتل ففي "القلب الواشي"  لا وجود لمبرر قوي للجريمة، سوى اضطراب الشخصية أما في الفيلم فدوافع الانتقام قوية جدًا،  ولا يوجد ما يشابه العالم الروائي للكاتب المشهور سوى الاسم المأخوذ من تفاصيل نص "القلب الواشي" واسم البطل هاري المشابه لاسمه "ادغار الان بو"، والفيلم مقتبس عن رواية بالاسم ذاته للكاتب لويس بايارد الصادرة عام 2003 الذي يصر في اغلب رواياته، لتسمية احد أبطاله باسم بارز من عالم الأدب. 

حافظت الكاميرا على أجواء القرن التاسع عشر لناحية الأزياء والملابس، كما التقطت اللون الكابي والمعتم المرافق للجو الكئيب والبارد مما عزز حالة الغموض و الترقب والخوف المحيط بالجرائم، إضافة لكآبة المحقق، الذي أتقن دوره وكان دور الطبيعة والمناخ مؤكدًا على الجو النفسي الذي يعيش فيه، الفيلم رغم الفرجة البصرية التي أمتعتنا، لكنه مع ذلك خالف توقعات الكثيرين بمجاورة عوالم ادغار الان بو رغم الاستفادة والاتكاء على شهرته في تسويق العمل.