الغناء المباشر

ثقافة 2023/03/08
...

سامر المشعل 

قبل اختراع المايكروفون كان الغناء يعتمد بالدرجة الأساس على قوة الصوت، وجودة الصوت وأهميته تصنف بحسب قوة الدفع التي يمتلكها المغني، والصوت الجيد هو الذي يستطيع أن يصل إلى أقصى زاوية في القاعة أو المسررح الذي يغني 

فيه.

بعد اختراع المايكروفون اختلت المقاييس، حتى أن عدداً من المغنين الكلاسيكيين رفضوا الغناء بالمايكروفون، وعدّو ذلك عيبا وانتقاصا من مكانتهم، بل استعانة المطرب وقارئ المقام بجهاز كهربائي ينتقل عبره الصوت، هو انحراف لمسار الغناء وفيه مساس لطبيعة الصوت، وبإمكان أي صوت أن يغني، ليختلط الحابل بالنابل من المغنين بحسب فهمهم 

انذاك.

ثم أخذت تقنيات التسجيل والصوت تدخل في عالم الغناء، حتى وصلت إلى تخوم الغرابة، اذ يدخل مغني ما إلى الاستوديو فيعمل مهندس الصوت بادخال تحسينات وفلترة صوته ليظهر بشكل آخر، احيانا لا يعرفه المغني نفسه!، بل هناك تقنية " الاوتوديون " التي تعالج الخطأ في الصوت، اي تصحح للمغني الخطأ والنشازات.

ومع كل التقنيات الحديثة التي تداخلت مع عملية التسجيل الصوتي، يبقى للصوت البشري بصمته الخاصة، التي تتنوع جمالا وتأثيرا من صوت لآخر، هذا التاثير يصل إلى المتلقي حتى من دون موسيقى أو باجهزة تسجيل بسيطة.

وتتجلى مقدرة المطرب في الغناء " Live " الغناء المباشر، وامام الجمهور تظهر امكانية المطرب وقدرته على الغناء والارتجال، وتكشف عن احساسه بالغناء من دون رتوش، فيكون الغناء وليد عذرية اللحظة واحساس المطرب بالغناء. وكذلك يكون الصوت متمكنا ومتدربا وذا موهبة حقيقية يلمس المستمع ذلك بوضوح.

قد يستغرب القرّاء أن هناك اسماء مشهورة جدا في عالم الغناء تخشى الغناء المباشر امام الجمهور، وبعضهم يقع في نشازات فاضحة، ما جعل نقاد الموسيقى يصنفون الاصوات إلى "اصوات استوديو" بحيث هذه الاصوات تفقد جماليتها وبريقها في الحفلات العامة. 

هذا الموضوع يجعلنا نتأمل بدهشة كبار المطربين في زمن الحفلات، التي يتم تسجيلها مباشرة امام الجمهور، مثل حفلات كوكب الشرق أم كلثوم وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ ومحمد القبانجي وناظم الغزالي وصباح فخري وعوض دوخي ووردة الجزائرية.. وكان الجمهور على مستوى عال من الذوق الاناقة وثقافة الاستماع، كيف لمطرب أو مطربة تغني لاكثر من ساعة كاملة امام الجمهور بشكل مباشر من دون خطأ أو نشازات أو نسيان للكلام واللحن، لا سيما لقصائد صعبة والحان مركبة من انغام متعددة.. العملية ليست بالامر الهين اذا ما قورنت بأغاني الوقت الراهن، التي لا تتجاوز

 الاربع دقائق.