البوصلة التائهة.. رواية غامضة

ثقافة 2023/03/09
...

  شكر حاجم الصالحي


تعيدني رواية (البوصلة التائهة) لإبراهيم كاظم الصادرة مطلع عام 2023، إلى ذات الأجواء والملابسات التي أثارتها رواية علي حداد [التعيس الذي رأى نفسه] التي صدرت أوائل ثمانينات القرن المنصرم، وما قيل حول نسبتها إلى مؤلفها، واللغط الذي رافقها في المجالس الأدبيّة المعروفة في ذلك الزمن، وها هو إبراهيم كاظم يفعلها بعد أربعة عقود، فيضعنا في دوامة أسئلة لا تنتهي، فالمؤلف كما تشير سيرته الشخصية المدونة على غلاف [البوصلة التائهة] الأخير إلى أنه طالب طب في الدراسة الجامعيّة الأولى، وله أكثر من عشر مسرحيات فازت في العديد من الجوائز المحلية لعامي 2017/ 2018، فضلاً عن الشعر وثلاث روايات مخطوطة مع مجموعتين قصصيتين مخطوطتين، كل هذه الثمار وهو لما يزل في مرحلة الدراسة الجامعيّة، إذاً نحن أزاء موهبة ننتظر منها الكثير في إثراء المشهد الثقافي العراقي، إذا ما توافرت لها الظروف الصالحة للنمو والانتشار، وبعد التمكن من إدارة أحداث نتاجاته بلغة عربية سليمة من العيوب والهنات، لكي يستثمر خياله الخصب في نتاج معرفي يستحق القراءة والإشادة والتعريف الجدير به والذي يستحقه كروائي شاب!! في مطلع حياته الأدبيَّة.

على أيَّة حال.. البوصلة التائهة هي رواية الأحداث الغامضة بأجواء كافكويَّة/ قائمة على الشك والريبة موضوعها على ثمانين صفحة يدور فوق سفينة مبحرة إلى المجهول، شخصياتها بمسميات أجنبية/ فرنسية، وخلاصة البوصلة أن الجميع على متن سفينة في عرض البحر. وخلال الرحلة هذه تقع حوادث أقرب إلى حوادث أفلام الكابوي، من جرائم قتل ومؤامرات يتولى التحقيق في ملابساتها المحقق روجر الذي يتكفل بالكشف عن مرتكبي جرائم القتل الغامضة. لكن الأحداث تجري على غير ما متوقع، ليصبح روجر المحقق هو ذاته المتهم الأول في ذات القضية، فيحاول يائساً إبعاد أصابع الاتهام عنه. فهل فعلاً أن الحظ هو الذي لعب دوره ضد روجر البريء؟ أم أن الصراع على ملكية مصنع العطور وراء كل هذه الأحداث الغامضة؟

«دليلان كالسيجارة والقناع كافيان على تلفيقي بالأمر وإغلاق القضية وإنهائها ضدي»، هذا ما كان يفكر فيه روجر وهو يركض إلى غرفته وحيداً بعد أن تفرق الكل، دخل وبدأ بالبحث، فتح الخزانة، الادراج، تحت السرير، وكلما كان يفتش مكاناً كان خوفه يقل، يتمنى ألا يجد ما كان يرجو أن يجده.. ليس هنا وليس الآن، حتى وصل إلى الدولاب الذي وجد فيه ما كان يغلق القضية، القناع نفسه الذي كان يرتديه الشخص المتنكر كان موجوداً فيه. ها هو الدليل الذي ينهي الجريمة، ويجيب عن جميع الأسئلة المطروحة حول القضية، القاتل هو روجر لا محالة/ ص 52 والبوصلة التائهة عنوان إشكالي لرواية حاول مؤلفها أن يصدمنا باسماء شخوصها: جوزيف، جونفر، أماندا لنكولن، ماريا، ستيفن، مارتن، كلاي، سبنسر، ثم: أن الكل يعلم أن البوصلة هي من تدل العالم لو تاهوا، لكن ماذا لو تاهت البوصلة وسط الزحام، ماذا سيحصل؟ وماذا سيحصل لو انكسرت البوصلة أو تعطلت، وما عادت تعرف الطريق الصحيح لنفسها؟

وقبل الختام.. لا بدَّ من العودة إلى ما بدأناه حول نسبة الرواية التي أدهشتنا باحداثها وأجوائها الكابوسية الغامضة، مبتهجين بالبوصلة التائهة كنص يثير العديد من الأسئلة وينتظر الأجابات الشافية، لكي نحتفل معاً بولادة روائي شاب يؤكد جدارته وصدق ما يتمناه من حضور لافت.

وأخيراً.. أتمنى صادقاً أن تنخفض نسبة الشكوك في مخيلتي بصدد نسب [البوصلة التائهة] وأن لا نضطر للاستعانة بفحص الحمض النووي لدحض الأوهام والشكوك المثيرة

للجدل