بغداد: وائل الملوك
تصوير: مصطفى الجيزاني
الظروف الاقتصادية الصعبة وقلة فرص العمل بالبلد، بدأت في السنوات الأخيرة تدفع أغلب شبابنا لاختيار مهن دون مستوى طموحهم، لأن أغلبهم لا يمتلك مؤهلات توفر له أعمالًا أفضل، وبالرغم من ذلك فهم يؤدونها بالشكل الذي يرضي ضميرهم وبكل أمانة.
ولعل مهنة عامل الخدمات او النظافة من بين تلك المهن، التي تتطلب بذل جهد وعناء كبيرين، ويتعرض صاحبها للتنمر بصورة دائمة، لكن لها جانبا مضيئًا، حيث تحمل رسالة إنسانية فريدة من نوعها، في مجتمعنا الذي يسوده الكثير من التشوهات بالتفكير، فتحاول أن تسيء لمن يعمل بها أحيانا.
عبد الله محمد، شاب في الـ22 عاما، يقول: العمل ليس عيبا، رغم أنني كنت أتمنى إكمال دراستي المتوسطة والاعدادية، لكن الظروف الخاصة منعتني بسبب الحاجة للمال من أجل المعيشة، ما سهل لي العمل في مهنة خدمات المجتمع "عامل النظافة"، والتي أمارسها أكثر من سبعة اعوام دون كلل وملل لأنها مهنة شريفة، لكن أكثر شيء يضايقني أنني فقدت جميع اصدقائي وحتى بعض المقربين من أسرتي بسبب مهنتي، الى جانب تنمر بعض ممن نخدمهم من اصحاب المنازل، دون احترام لوظيفتنا فنحن قبل كل شيء بشرٌ في مجتمع وبلد واحد.
اما مصطفى جواد، البالغ من العمر 24، يشير إلى أنه يوميا يعمل على تنظيف الشوارع وكنس الجزرات الوسطية، مع عدد من زملائه في الساعة السابعة صباحا بوجود مشرف المجموعة، منتقدا تنمر بعض الشباب عليهم ورمي الأوساخ أمامهم أو بعد أن ينجز تنظيف منطقة معينة، لافتا إلى أن التنمر ليس فقط بالحديث والإهانة التي نسمعها، بل بالسلوك المقابل لك من البعض، مضيفا: ما يجبرني على البقاء هو محبتي لمهنتي وأصدقائي العاملين معي في المجال نفسه، كون اغلبنا من المنطقة نفسها وأصبحت علاقتنا تزداد أخوية يوما بعد يوم.
وترى السيدة علياء محمد (موظفة) بأن ليس كل الناس لا تحترم الآخر مهما كانت مهنته، بالعكس هناك من يدعم بالتعاطف والشكر لكل من يقدم هكذا خدمات تنفع المجتمع، وتضفي على المدن والشوارع والدوائر شيئا من الجمال والنظافة، موضحة: في المؤسسة التي أعمل بها شباب يعملون بالخدمات أتعامل معهم باسلوب أخوي وكأننا أفراد أسرة واحدة، ولا أحاول أن أقلل من شأنهم أو أتعالى عليهم، وكذلك بقية الزميلات والزملاء اجدهم يرتبطون بعلاقات طيبة معهم. بينما كشف أبو الحسن، وهو مدير في إحدى بلديات الرصافة، على أن سبب ما يعانيه الشباب من عمال النظافة من تنمر (من البعض طبعا)، وعدم احترامهم كاشخاص ومهنة، هو فقدان الدروس التربوية والاخلاقية في المدارس والجامعات، متمثلا بما يقدم عليه التعليم في دولة اليابان وكوريا من تجربة التنظيف في مدارس المراحل الاولى، وصولًا لإعمار تفهم وتدرك بعقولها ماهية احترام الذات والشخص الآخر.
مبينا أنه مارس هذه المهنة منذ ما يقارب 15 عاما حتى امتلأ الراس شيبا، قائلا:" الحمد لله تعلمت الكثير من مهنتي وأسند أسرتي بلقمة هنية، وكل ما أشاهد شابا يسعى لهذه المهنة، أبادر بنفسي لدعمه وتسهيل الأمور لتوظيفه.
من جانبه بين المختص والأكاديمي في علم النفس محمد صالح أن عمّال النظافة، هم في الواقع خرجوا من بيئة فقيرة تعاني الوجع، لذلك لم ولن نشاهد يوما ابن أسرة غنية أو ابن مسؤول معين يمارس مهنة التنظيف، وهذه أولى الحقائق، اما السلوك الناتج من فئات يهيمن على افكارها مرض التكبر والتعالي على الاخرين، فهم ينظرون لأصحاب تلك المهنة بأن لا قيمة لهم، لكن بصراحة هو العكس فبدون وجود عمال النظافة وممارستهم لمهنتهم، تخيلوا ماذا يجري في بلد نسبة سكانه تفوق الـ40 نسمة، أما بخصوص كيفية معالجة الحالات السلبية ولغة التنمر، فهذا يحتاج لأيام وسنوات، تبدأ بالمراحل الأولى "كالروضة والحضانة والمدارس الابتدائية"، من خلال تعليم لغة الحب والتعاطف مع أصحاب المهن الحرة البسيطة، وحتى مع الفقراء عن طريق زج دروس توعوية تربوية، إلى جانب فتح دورات تعليمية للكبار، بخصوص ممارسة السلوك الفردي الإيجابي.