صناعة الأنثى في رواية {تِرتِر}

ثقافة 2019/04/15
...

ابتهال بليبل 
 
 
في “تِرتِر” الرواية الصادرة عن دار “هاشيت أنطوان” للروائي نزار عبد الستار، ستعثرُ المرأة القارئة بين صفحاتها، على عبارات واخزة متعلقة بتفاصيل حياة متداولة على نطاق واسع. هذه الحياة التي أُريدَ لها أنْ تكون وراء الكواليس، بوصفها، تجاوزات وتّأشيرات لممارسات فضائحيَّة، وللدّلالة، أيضاً، على أهمية تواجد الممنوعات لغرض استنزاف المخيلات الايروتيكيَّة والأفعال التي لا تنأى بنفسها عن تصوير الجسد ومفاتنه.
ترتسم منظورات كثيرة يقدمها الروائي، من خلال عبارة في صفحة (176) “رفضت المشرفة الشرعية بيع سروال داخلي قصير من الساتان له فتحة خلفية على طول شق المؤخرة تُغلق بشريط متعاكس الربط، أما جهته الأمامية فمشغولة بالترتر الناعم الذي يوحي بتغطية منطقة مرهفة تتهيّبها الروح الملتاعة”.
بعض هذه المنظورات قد تكشف للمرأة، العلاقة الخفية بين وجود الانضباط وبين سراويل النساء الداخلية، لإظهار المفاهيم السائدة، والتي من شأنها أنْ تلقي باللوم على حارسها أو كما في الرواية “المشرفة الشرعية”، ربمّا لتغاضيها عن دورها الاستثنائي في التحكم بالنزعات الجنسيَّة، فتبدو النساء من خلال هذه العبارة بصور ذات طابعٍ جنسي قامع، ولكن تهيمن عليه المادية أو الربحية في وقتٍ تكاد تستحوذ على الحياة اليومية العامة، (الأزياء الشعبية التي لا تتقبّل التحديث)، إذا كانت هذه الأزياء تفرض نفسها كحدود يسعى المجتمع للحفاظ عليها عبر تلك المشرفة الشرعية، وبالتّالي تفادي محاولات التغيير، لأنّها ستفسح للمرأة تحديداً قبل الرجل في انتهاكها عبر مسارات تدخل بعوالم سرية من البورنوغرافيا.
وتعيد، ليّ، عبارة بذات الصفحة: “كان اعتراض شكرية على حجم السروال وشبهه بما ترتديه العاهرات الروميّات، فهذه الإشارات الترترية تفصح عن شهوات النساء الستراتيجية، وتفتح عيون غير المتزوجات”، بعض الأفكار الراديكالية المرتبطة بالغيريَّة الجنسية، وأن النساء اللواتي لا يرتدين الألوان والموديلات المثيرة من السراويل الداخلية يقمعن أدوارهن السائدة بجودة عالية.
هكذا، وكما تؤكّد رواية “تِرتِر” في حديث آينور هانز لجميلة خاتون، صفحة (166): “نحن نرتدي الملابس الداخلية الجميلة لنثير الرجال ونجذبهم إلى ما بين سيقاننا، لذلك لا مكان للحشمة هنا”، نعثر على السوق المعنية بصناعة
الأنثى.
وفي هذه العبارة المحدّدة، تنجح “ آينور” في تشكيل ثنائيَّة الارتباط بين الأدوار النسائية وعامل الثقة، بل وأكثر من ذلك، تقوم على تحدّي الهيمنة والخضوع، من خلال ارتداء الملابس الداخلية الجميلة، وإن كانت مخفّية غير ظاهرة.
وتطلق جميلة خاتون، عبر ردها: “يجب توظيف مراقبة شرعية في البازار تجنّباً للشبهات، وإلا فلن أمنحك إجازة العمل”، فرضيّة أن التقييد والمراقبة وربّما المنع ترتبط دوماً بالتجارب السرية الصادمة لكن بنظرة بسيطة على سلوكياتها – اقصد جميلة خاتون- وصفاتها الواردة في الرواية، وفرضّية التقييد والمراقبة، وتأييدها بعد نقاش فيه الكثير من المناورة، بالموديلات الإغرائيَّة، ولكن بشروط تتجنب الشبهات، تشير إلى محدودية وانعدام شعورها 
بذاتها.
وعندما يتعلّق الأمر بشعور الأنثى بذاتها، فإنَّ المسألة في الرواية، قد تدخل في دور آينور هانز بائعة الملابس الداخلية غير الشرعية، التي تدير برنامجاً تدليكياً لمواجهة ترهلات الجسد بحيث تكون واضحة، وخاصة، عندما تستعرض المشتركات بالبرنامج أجسادهن أمام المرآة، يمكن للشبهات أنْ تكون تحرراً في بعض الأحيان، بغضّ النظر عن المعتقدات والتابوات. 
مع هذه الشبهات المتخيلة، التي تظهر بداية على أنها كذلك، تكون آينور هانز قد فرضت عليّ استرجاع –واقع الظل- الذي تجربه كل امرأة في الغالب، ولكن بنسخته المدركة لعلاقتها بالآخر، بحيث إنَّ التوقف على الأحداث الخاصة بهذا الشأن في هذه الرواية بالذات، يجعل مفهومي عن الشبهات ممارسة مكثّفة في التقييد والرقابة، وأن كلّ شيء قد يتحول لشبهة “خلاعة” إذا ما تمّ تأطيره بشكل سلبي، وكذا 
العكس.
حتى اليوم، لا تعترف كثير من النساء، بالصلة السببية بين الملابس الداخلية وبين الذات، كواحدة من الأمور الرئيسة والمؤيّدة بنظر الشارع لممارسات فضائحية أو في كونها تحرر الأجساد، وتساعد على أنْ “تفتح عيون غير المتزوجات”، وبذلك تكون الملابس الداخلية عندهنّ متأثرة بمفاهيم تعدُّ الذاتية الأنثوية، أمراً 
مخزياً.
عملت تفاصيل رواية “ترتر”، رغم تعلقها بالخيال التاريخي على إظهار قدرة المرأة المقموعة على التعبير عن ذاتها بصراحة، وعالجت – وفق نظري كامرأة- العديد من الثّغرات، كان لها أنْ تكون رغبة غير مستقرة لغرض اختزال جسد الأنثى بجندرية تعتمد بالأساس على وجهات نظر اجتماعية وثقافية
وفكرية.