عُذراً هاتفنا الأرضي !

اسرة ومجتمع 2023/04/08
...

  سهى الطائي 


حين نلتفت حولنا لنرى ما يشغلنا وننشغل به دون علمنا ؛نجد مشاهد نألفها كل يوم في منازلنا، زحمة في الأحادث عبر الأجهزة المحمولة ومكالمات منفردة في آن واحد، وعائلة واحدة وربما بغرفة واحدة، بأحادث مختلفة،  تناثر للشواحن هنا وهناك،  وجود لأجهزة قديمة في الدرج والرفوف ومن باب الإحتفاظ أو الذكرى أو إنتهاء الصلاحية،  وشاشات صغيرة مُلقاة هنا على الأريكة وهناك فوق المائدة وفي الجيوب والأيدي، فأصبحت أطفالنا اليوم تمتلك هاتفاً خاصاً بها ؛حتى الرضع منهم لايصمتون ولايتوقفون عن البكاء حتى تضع الأم شاشة ينشغل بها طفلها رغم صغر سنه !

وفي نظرة مقارنة عابرة بين اليوم والأمس ففي الأمس؛لم نكن نعرف حينها على الأقل هواتف ذكية ولم نلمس بإصبعنا شاشة غير شاشة التلفاز  حين محو الغبار عنها،  لذا كان هاتفنا الغبي ذو الأسلاك الملتوية الدائرية هو الوحيد المتوفر ؛غير أننا لم يكن مسموح لنا الرد عليه حين يرن، فقد تعلمنا أن من يستطيع الرد هو كبير المنزل فقط،  لذا كنا نرفعه فقط حين نود أن نلهو به دون علم أهلنا طبعاً، ومن باب الإستمتاع بسماع « التوت «كرنة جميلة طرقت أذهاننا، أو أننا كُنا نعبث بالقرص الموجود فيه عن طريق تدوير أرقامه والإستمتاع بصوت القرص وهو يدور، وقد نعلم أنّ «ألكسندر جراهام «بيل مُخترع الهاتف في ثمانينيات القرن التاسع عشر، فأن «بيل « لم يخترع هذا الجهاز من فراغ، فقد بدأ تطوير الهواتف القديمة في وقت مبكر من ستينيات القرن السادس عشر، وكانت هذه الهواتف بدائية كما نعرف وبشكلٍ لا يصدق، مقارنة بهواتف بيل لكنّها لا تزال تستحق 

الذكر.

ونظراً لأنّ البيانات تنتقل عبر وسيط ثابت فإنّ هذه الهواتف الأرضية أكثر أماناً من الهواتف المحمولة كما يمكن للمعدات الخاصة أن تعترض بسهولة محادثات الهاتف الخلوي والتي تنتقل بحرية عبر الهواء عبر موجات الراديو.

وأظن أن الهاتف السلكي الوحيد الذي لايفضح الأحاديث،  أي تبقى الحكايات بين اثنين أو ثلاث إذا إستدعى الأمر،  فهو الذي يمتاز حقاً بالموثوقية والأمان، 

أما هواتفنا الخلوية الفضائية التي تلتقط إشارتها الآن من السماء ومن الأبراج الإتصالية هي الأكثر فضيحة،  يكفي لهاتفنا العتيق الذي يعتقله سلك محدود يوحي إليك أن لا تُبحر بعيداً وأنت تسرد القصص الخاصة جداً وبعكس هواتفنا اليوم الحرة الطليقة والتي قد تدعونا للتمرد فنأخذها تحت فراشنا وقد نغفو على شاشاتها أحياناً، فكنا قديماً نجهل قيمة الهاتف المُقييد والمُعتقل لإجلنا،  وقد كُنا نظن أن لكل شيء حدّ ولا يُمكننا أن نقوم بإجراء مُنحط للنكاية حين ذاك، فلم نسجل به يوماً أحداً لنوقع به ولم نفكر إطلاقاً أن نفتح «السبيكر» ليسمع الحديث غيرنا دون إذن، فكان ذلك الهاتف أكثر خصوصية من اليوم رغم الذكاء الذي يحمله في طياته، فكم من مجلس خان هاتفنا اليوم وكم من حديث أفشى بتسريب مقصود من باب المزاح مرة ومن باب الإيقاع في المحظور مرة ثانية،  وفي مقارنة أخلاقية بسيطة بين الهاتفين يتبين لنا الإختلاف بين «سمعة الهاتف السلكي الخلوق وبين هواتفنا الجوالة «غير المؤدبة،  ماذا لو كان هناك سابقاً زراً للتسجيل ؟ 

حتماً كُنا سنستخدمه لتسجيل الكلمات الجميلة والأحاديث الدافئة لذلك الزمن،  ولايمكن أن أُتهم بالحنين للماضي من خلال هذا القول،  فلكل زمن أحاديث وهواتف ونقالات!

قد شهدت ماشهدت من دفئ الاحاديث وصقيعها،فما بالك اليوم برسائل تُرسل وهي الخاصة جداً ؛وقد نراها قد إنتشرت دون علمنا وعن طريق صديق قرر أن يصبح عدواً،  أو من خلال مُحبٍ مثلاً ؛ أراد أن يظهر حُباً للعيان،  لذا لاتثق بالجوالات التي يجول ما يحويها على الجميع في لحظة كشفٍ  غاضبة .