نوزاد حسن
مساكين هم أهلُ البصرة، لأنهم حين أصابهم العطش العام الماضي، أغرقتهم السيول هذه الأيام. ومع ثورة الطبيعة هذه فإنَّ السيول أغرقت قرى وأقضية في أكثر من محافظة.
لكنَّ البصريين يسعون للمطالبة بجعل بصرتهم إقليماً، تبدو هذه الخطوة حلاً لمشاكلهم كلها. إنهم يأملون أنْ يكون الإقليم فرصة جديدة وعلاجاً حقيقياً لمحنة هذه المدينة.
شخصياً لا أظن أنَّ فكرة الإقليم ستنهي معاناة المدينة المقلقة. ربما يكون الحرمان دافعاً للعمل وهذا ما يفعله الناس هناك، لكن أية صورة في رأس الشخص المحروم، لا توجد هناك غير صورة إقليم كردستان. وقد يكون الكثيرون ممن زاروا كردستان في سفرات سياحيَّة، مندفعين في همة عالية للمطالبة بهذا الامتياز الذي منحه الدستور لكل ثلاث محافظات أو لمحافظة واحدة.
يعرف الجميع أنَّ هناك من يعارض فكرة إنشاء هذا الإقليم، فقد كان القاضي وائل عبد اللطيف جاداً في المطالبة المعروفة، التي لم يكتب لها النجاح لسببٍ ما، لكنَّ المسعى الشعبي الآن يتصاعدُ عبر القنوات الرسميَّة لتحقيق هذه الأمنية.
ليست البصرة مكاناً عادياً كما قد يعتقدُ البعضُ، إنها جغرافيا مانحة للثراء ودنيا تعدُ بالآمال، كأنها أرض الفرص والأحلام. إنَّ ثراء هذه المدينة يتبددُ بصورة أو بأخرى ونتيجة للوضع العام الذي تعاني منه فإنَّ كثيراً من النخب المثقفة، ترى أنَّ إعلان البصرة إقليماً ليس صحيحاً في هذا الوقت. هناك من يؤيد هذه الخطوة ويدافع عنها ومع ذلك يعترض بأنَّ الأوضاع غير ملائمة لتنفيذ فكرة الإقليم.
سيقال إنَّ هذا تناقضٌ صريحٌ، هدفه إجهاض حلم البصريين في الحصول على هويتهم المفقودة، إلا أنَّ الإجابة الحقيقيَّة عن مثل هذا الاعتراض واضحة جداً لأنَّ كثيراً من الناشطين المدنيين والمثقفين يرون تحديات كثيرة تواجه كيان الإقليم المرتقب. ولو أنَّ البصرة أعلنت تحت خيمة الدستور بأنها أصبحت إقليماً له حكومته التي تديرُ شؤونه فإنها ستواجه ما واجهته البصرة أيام كانت محافظة. بلا شك سيختلفُ الاسم لكنْ ستبقى المشاكل والتحديات، أضف الى ذلك سيكون هناك معارضون أقوياء لفكرة إنشاء إقليم يتمتعُ بحرية أكبر أو صلاحيات أوسع.
لذا لن تكون الأفكار خالقة للنجاح في كل الأحوال. وإذا لم يكن هناك نشاطٌ جديٌ لتنظيم حياة الناس ضمن القانون، الذي لا يجامل أحداً ولا يخشى نفوذ هذه الجهة أو تلك، فلن يتحققُ شيء على أرض الواقع.
يتحدث البصريون عن انتشار السلاح بين العشائر، هذا تحدث به ايضا مسؤولون في المحافظة، كما أشاروا الى قوة العشائر والنزاعات التي تحدث بين أفرادها من وقت لآخر، مخلفة العشرات من القتلى، إضافة الى تواجد قوى مسلحة لها تأثيرٌ واضحٌ. وإنْ أضفنا القطاع الصحي والفقر فسنكون أمام لوحة قاتمة لا حل لها إلا بوضع خطة تنفذ بأمانة ملائكيَّة وعلى مراحل.
إنَّ الإقليم هو غضبة بصريَّة يرفعها البصري بوجه الحكومة الاتحاديَّة، كأنه يقول لها: أنا غاضبٌ لأنني مهملٌ وآخر الدواء