عبد الحليم الرهيمي
مرَّت قبل أيام الذكرى السادسة عشرة لحدث 9 نيسان 2003، إذ تجدد السجال وانقسام الآراء والمواقف حوله بين العراقيين، سياسيين ووسائل إعلام ومواطنين. ومن خلال رصد وقراءة هذا السجال والانقسام، يمكن تحديد اتجاهين رئيسين في الآراء والمواقف، الأول: الذي يرى أنَّ ما حصل في 9 نيسان 2003 هو احتلالٌ أميركيٌ للعراق له مصالح وأهدافٌ خاصة به على حساب مصالح العراقيين
ولذلك يجب مقاومته بقوة السلاح لإخراجه من العراق، وهو ما قامت به فعلاً بعض الجماعات المسلحة، إذ وقعت مواجهات بينها وبين القوات الأميركية والحكومية أحياناً – كما حصل في فترة حكومة الدكتور إياد علاوي – وقد ترتب على هذا الموقف عدمُ مشاركة الداعين لهذا الرأي في العملية السياسيَّة الناشئة منذ 9 نيسان، إذ توقفت الى حد كبير المواجهات المسلحة حتى 2005 وبدء دخول بعض تلك الجماعات في العملية السياسيَّة، من دون أنْ يتوقف نقدها ومعارضتها لـ (الاحتلال) على الصعيدين الإعلامي
والسياسي.
وكان من اللافت وبوضوح تجاهل هذا الرأي، القائل بالاحتلال الهدف الرئيس لدخول القوات الدولية – الأميركيَّة العراق بدءاً من 20 آذار – مارس 2003 حتى الإعلان عن إطاحة نظام صدام في 9 نيسان من العام نفسه، وهو الإعلان الذي قوبل بالترحيب الواسع جداً من أغلبية العراقيين ودول وشعوب العالم الأخرى، إذ واصلت معظم قيادات المعارضة السياسية في الخارج علاقتها وحوارها مع الإدارتين الأميركية والبريطانية وكذلك مع ممثلي الأمم المتحدة لتأمين الانتقال السلمي والسيادة للعراق وبمساعدة تلك القيادات، إضافة لشخصيات سياسية وعسكرية في الداخل مؤيدة للتحرير وإطاحة نظام
صدام.
أما الاتجاه أو الرأي الآخر الذي عبر عنه غالبية السياسيين من قوى المعارضة في الخارج وغيرها من سياسيي الداخل، الذين ينسقون مع معارضة الخارج وكذلك غالبية الرأي العام والإعلام، فقد عدَّ ما حصل في 9 نيسان 2003 عملية تحرير للعراق والعراقيين من نظام صدام الدموي والتخلص من سياساته القمعيَّة والإرهابيَّة وسياسة شن الحروب على الآخرين، فضلاً عن سياساته المدمرة للعراق وارتكاب أبشع الجرائم ضد كل مكونات الشعب العراقي التي تمثلت بالمقابر الجماعية في الوسط والجنوب وعمليات الانفال الإجراميَّة ضد الكرد واستخدام السلاح الكيمياوي في حلبجة.. وغيرها من السياسات الإجراميَّة الموثقة، وإضافة لذلك، فقد كان أصحاب هذا الرأي المُرحِّب بحدث 9 نيسان
، ومهما تعددت الأوصاف التي أضفاها عليه أصحاب الرأي الآخر، يعون تماماً أنَّ إطاحة نظام صدام ما كان لها أنْ تتم بغير طريقة الدعم الخارجي، وذلك لاستحالة نجاح أي انقلاب عسكري وفشل وقمع أي انتفاضة شعبيَّة وعدم القدرة على الاستفادة من الآثار السلبية لحروب النظام أو الرهان على انقلاب مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية عليه والمبادرة للإطاحة به من دون طلب المساعدة الخارجية، من دول أبدت استعدادها لذلك ودخلت معها المعارضة في حوارات ومفاوضات طويلة بدأت عملياً منذ إخراج القوات العراقية من الكويت في شباط عام 1991 حيث أثمرت تلك الحوارات وتعزيز علاقة المعارضة مع واشنطن، الأخذ باقتراحها على واشنطن التعهد بإطاحة نظام صدام وهو الأمر الذي أسفر عن إقرار الكونغرس الأميركي لـ (قانون تحرير العراق) عام 1998 وكذلك الاتفاق لاحقاً على استخدام القوة العسكرية الأميركيَّة وحلفائها لإطاحة ذلك النظام.
لقد عبرت المعارضة العراقية في الخارج بسياساتها وعلاقاتها مع دول العالم وخاصة مع الولايات المتحدة وبريطانيا عن أهداف وتطلعات وأماني الشعب العراقي، بتحريره والعراق من نظام صدام والانطلاق بعد ذلك لإجراء التغيير المطلوب في بناء نظام ديمقراطي دستوري نزيه وكفوء يحقق التقدم والرفاهية للعراق والعراقيين.
غير أنَّ معظم القيادات السياسيَّة التي تصدرت المشهد السياسي منذ 9 نيسان قد نكثت بوعودها وأسهمت في خلق طبقة سياسيَّة معها من (سياسيي) الداخل غير كفوءة ومتهمة بالفساد والعجز وتخريب العراق وإيصاله الى ما هو عليه الآن. لذلك فإنَّ الاستمرار في رؤية 9 نيسان مجرد احتلال أميركي والتغافل عن كونه عملية تحرير للعراق وشعبه مهدت للتغيير في الدولة والمجتمع، إنما يغفل أو يتجاهل بقصد أو بدونه، دور أولئك (القادة والسياسيين) الذين هم أوصلوا العراق وشعبه الى الحالة المزرية الراهنة وليس حدث 9 نيسان 2003 الذي لولا حدوثه لبقي صدام وحزبه الصدامي وأحفاده يحكمون العراق لعقود طويلة قادمة.. هذا ما كان ينبئ به منطق الأحداث والتاريخ !