لعبة العولمة في زمن (تويتر)

ثقافة 2019/04/19
...

  زهير الجبوري
شكّلت افتراضات زمن العولمة قراءات جديدة للكشف عن المحنة المعاصرة التي نعيشها، ولعل عالم (النت) وكسر حدوديّة الاشياء هدم ثوابت القيم وكل ما هو متعارف عليه من تقاليد مجتمعية، ومن زاوية النظر الى الاعمال الفنية /المسرحية فقد استوقفتنا مسرحية (تويتر) بكلّ ما تضمنته من تفاصيل فنية في كتابة النص واخراجه وتمثيله، المسرحية من تأليف وإخراج الفنان ثائر هادي جبارة، وتمثيل نخبة من ممثلي مدينة الحلة، عرضت ضمن فعاليات مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية الأخير/2019، على قاعة النشاط المدرسي البابلي نهاية شهر اذار، وقبل الدخول الى مضمون العرض، لا بدَّ من اشارة سريعة لتجربة الفنان ثائر هادي جبارة، مفادها: الى أين سيحطّ مصاف خطابه الفني /المسرحي في ظل الالحاح المستمر في نقد الواقع السياسي والديني والاجتماعي معاً ..؟ .. باعتقاد خاص عكس الفنان ما يدور في أرض الواقع بآليات الفن المسرحي.. مسرحية (تويتر)، عرضت بسيميائية تجريبية، إذ (السينوغرافيا/ القماش الابيض المغلق لكل جهات المسرح/ غير انه لم يكن ابيضا كما فهمه البعض من المشاهدين، بل له دلالات عميقة وغائرة في المعنى المضاد (كونتراست)، وان عرض الداتاشو كان مكملا له، وشكل مع مكبرات الصوت وازياء الممثلين معادلا موضوعيا، فضلا عن الموسيقى والإنارة). والمسرحية بكل دقائقها عبرت عن وحدات سردية متوالية، سبق ان اشار لها في اعماله السابقة (من حيث المضمون) ولكن بطريقة اخرى، ما يلفت النظر في هذا العمل إمكانية مشاهدتك للمحنة عن طريق ضغطك باصبعك عبر النت برنامج (تويتر) ليختصر كلّ الشواهد .. 
ومع بداية العرض وظهور الداتاشو ووقوف رجلين بجانب بعض (يمثلان مركز الهيمنة على المستوى العام)، الفنان رحيم مهدي /رجل (1)، والفنان علاء القره غولي /رجل (2) وامام كل واحد منهما (مايك/ مكبر صوت) مع اضاءة متوجهة الى الجمهور، يصعد خشبة المسرح الفنان (حسن الغبيني/الرجل الحالم) لتبدأ تفاصيل العرض وتتصاعد من فكرة الى اخرى، وكان دور الفنانة (يسرى جبار/ المرأة العانس) مؤثرا جدا حيث الأداء التلقائي اضاف لها انتباهة كبيرة واداءً تعبيريا واضحا، اما الفنان (علي التويجري/ الظل) فقد قدّم منولوجا متماهياً مع الشخصية المركزية/الغبيني، مثل هذه الشخصية عليها ان تشتغل بماكير يغرّب الملامح الآدمية للفنان، لتتشكل عنده انتباهة غير مألوفة، وان يقلل من حواريته ويعمل على تفعيل ملامح الوجه والجسد، وعلى الرغم من حضور الشخصيات بتجسيداتها الدرامية فقد كان (مصدر الصوت/ الرقيب/ الصادر من الاعلى له بعده الاشكالي)، وبكل ما جاءت به فكرة العمل، فهي تكشف عن مرحلة خطابية في ابعادها السياسية والدينية والاجتماعية، (ليس الدين بالعمامة، كان جدّي ثملا حين يتصدّق على الفقراء) يرفع الفنان الغبيني (لوكو المايك باصبعه)، ثمّ يظهر (مصدر الصوت) مستعينا بقصيدة الشاعر كاظم الحجاج (أنا لا أصلي / أنا اتوضأ). 
إنّ قراءة المحنة في اطار عمل فني/ مسرحي، يقوم على مهارات تجريدية في كافة الجوانب، مهما اخذت بعدا تجريبيا او بعدا فنيا اخر، فهي تستنهض العلامة بوصفها بنية اختزال وتجريد، ومسرحية (تويتر) كشفت عن مشهديات لها جذورها الملموسة في واقعنا او حياتنا المعاصرة، فـ (مشهد الهروب في البحر) الذي حمل بلاغة التعبير، و(مشهد الخروج من البئر) و (مشهد توصيف العوانس) و(مشهد الصلوات الخمس) و(مشهد البئر وبعده الرمزي) و(مشهد تعدد الايام/ الخميس الدامي او الاحد الدامي او ..) و (بعض مقاطع قصائد الشعراء: كاظم الحجاج وباسم القطراني وجواد الحطاب)، وغيرها، عبّرت عن حالات متماهية مع الازمة، واستوقفني مشهد الفنان محمد حمودي (صاحب منظمة تويتر) دخوله منتصف المسرح وهو يستوقف الفنان علي التويجري ويركله ضربا (هذا حدك لا تروح بعيد، منو انطاك الاذن تروح بعيد)، وكأنّ العالم كله لعبة بيد تجار الحروب.. وفي نهاية العرض دخل الفنان ثائر هادي جبارة / مؤلف ومخرج العمل، في منتصف المسرح رافعا جهاز (الموبايل) قائلا: نسيت ان ادخلكم في تويتر الى (المغاسل/التواليت)، وهي لعبة اتصالية ترتبط بتقانات اللعبة العولمية العالمية في تهديم الثابت والمركز في نظام العقل الشرقي، وتستمر لعبة الاتصال على دماء ابرياء العالم الثالث وسط شهقة الاحداث ودهشة ما يحصل من مفارقات لم يذكرها التاريخ.