عقيل حبيب
التجربة التاريخية اثبتت ان التنظيمات الارهابية انخرطت في فعل القتل وتدور معه اينما دار الموت، وليس العكس كما في القتل العادي الذي يستخدم كوسيلة دينية أو عسكرية من اجل بلوغ اهداف مهما كانت شريرة تبقى هي من مقررات الوعي وقائمة على مبدأ المصلحة والهيمنة والحصول على المكاسب.
أما ان يكون الموت هو الدافع لحركة الانسان، أن يكون ذلك الانسان غير قادر على اخفاء رغبته في اتباع كل ما هو ميت، فهذا هو ما يمكن أن نطلق عليه بحسب تعبير فروم: إشتهاء الموتى، محبة الموتى غير الجنسي الذي يقوم على رغبة في التعامل مع الجثث، الاقتراب منها أو اطالة التحديق فيها، وبصفة خاصة الرغبة في تقطيع أوصالها، ولكن كل هذه الصفات يمكن أن يتم استبطانها وتغليفها بصفات اخرى ومظاهر اجتماعية أو دينية أو تراثية تكون فيها الرغبة في الموتى اقل وضوحا، ولكنها اكثر وقاحة
وزخما.
اما عمليات الإبادة الجماعية والتفجيرات الانتحارية فهي لا تحتاج لمزيد من النظر لنكتشف الدوافع التدميرية التي تحكمت بمرتكبيها، فقد تعدى فعل الموت حدوده المعقولية (ان كان للموت معقولية؟) كأن تكون مصلحة شخصية أو دينية أو قومية.
لقد جرى التعبير عن اشتهاء الموتى اكثر من مرة في تلك العمليات التي قام بها عتاة مجرمون ارهابيون في المجتمع العراقي، وتبدى افتتان بكل ما هو غير حي وتدميري ومتآكل
ومقبور.
عشرات من تلك العمليات لم يكتفِ الإرهابيون فيها بقتل اعدائهم، بل فتنتهم لذة التمثيل بالجثث وتقطيع اوصالها، احبوا النظر الى جثث الضحايا فعلقوها في الاماكن العامة وسط ساحات مدينة الموصل وعلى اعمدة الكهرباء أو ملقية على ارض الشارع بعد ان رميت حية من فوق مبنى بلدية الموصل. قامت الدولة الاسلامية داعش بكل ذلك عن وعي باشتهائها للموتى، عن رغبتها في تعميم هذه الشهوة المرضية وجعلها اجتماعية. هل نجحت في نشر عدوى الرغبة في الموت وخلق فئات اجتماعية تهيم بمحبة
الجثث؟. اما على المستوى الثقافة الشعبية العراقية فالتدميرية حاضرة في الكثير من القصص والحكايات والأمثال ومظاهر الثقافة الشعبية حتى يمكن القول بأنها استطاعت ان تجد لها مكانا آمنا في التركيبة النفسية للمجتمع، وغالبا دون أن تعي بها تلك الثقافة. قبل سنوات طغى الخيال الشعبي
عند احد الشعراء الشعبيين ليكتب نصا يغنى ويتلقفه الشباب ويرددوه بلهفة رغم لمسات اشتهاء الموت البينة فيه، وهو اغنية لازمتها عبارة (انا بيا حال والدفان يغمزلي) قد يكون مشهد الدفن أثار الرغبة الجنسيَّة عند الدفان والتي دفعته لأن يعبر عنها بفعل الغمز الذي يتضمن ايحاءً جنسيا قويا في الثقافة العراقية، ولكن المشكلة تكمن في تعلق الوسط الشعبي بها وهو على وعي، ولكن النتيجة كانت ان النص/ الأغنية وجد له أعماقا شعبية لاواعية تردده بما يحمله من اشتهائية
للموتى.
لماذا أحب المجتمع نصا يصف الاستثارة الجنسيّة التي سببتها عملية الدفن والقبر والجثة؟ هل اصبحت هذه الرغبة/ الشهوة مكوّنا لا يمكن اغفاله أو التغافل عنه في البنية السيكولوجية للكثير من افراد المجتمع
العراقي؟.