أحمد حسين
خبرٌ مفرحٌ ويبشّرُ بخيرٍ ما أعلنه جهاز مكافحة الإرهاب عن نتائج عمليته الأخير في سلسلة جبال حمرين، وتحديداً في الرقعة الجغرافية التي تقع ضمن حدود محافظة ديالى من هذه السلسلة الجبلية الوعرة، وما جاورها على حدود محافظة صلاح الدين، إذ تم إحباط ما كان يخطط له التنظيم الإرهابي وأطلق عليه “غزوة الشام” والتي كان يستهدف بها محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك انطلاقاً من سلسلة حمرين التي تمر بهذه المحافظات
الثلاث
عملية التطهير هذه التي نفذها جهاز مكافحة الإرهاب استندت إلى معلومات استخبارية تفيد بمخطط إجرامي كان تنظيم داعش يعد العدة لتنفيذه -وفقاً لمصادر أمنية-، وبناء على ذلك انطلقت العملية والتي انفرد بها جهاز مكافحة الإرهاب دون غيره من الأجهزة الأمنية والقطعات العسكرية، ليس لأنّ تلك التشكيلات غير جديرة بالقيام بهكذا مهمة بل لأنّها عملية نوعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وتحتاج إلى تشكيل أمني مدرّب ومتمرّس على تنفيذ هكذا نوع من العمليات ويعتمد تكتيكات أمنية خاصة، والجهاز بالأساس تم تشكيله للقيام بهكذا مهام، ولا ننسى هنا دور طيران الجيش الذي لعب دوراً مهماً في
هذه العملية.
العملية نجحت في تحقيق هدفها المتمثل بإفشال المخطط الإرهابي الذي أطلق عليه التنظيم “غزوة الشام”، وفضلا عن ذلك أثمرت العملية عن الوصول إلى مخابئ أسلحة ومضافات للدواعش وتدمير آليات وعجلات ومتفجرات كانت معدة لتنفيذ الغزوة المزعومة وأيضاً كملاذات ومخازن احتياطية للتنظيم
الإرهابي.
لكن هناك سؤال في غاية الأهمية يطرح نفسه، هل نجاح هذه العملية يعني القضاء على الوجود الداعشي في سلسلة جبال حمرين، وما يمثله هذا التواجد من تهدد أمني لثلاث محافظات يخترقها حمرين ويمثل طرقاً سالكة وآمنة لتنقلات عناصر داعش فيما بينها بحرية؟، الجواب
قطعاً كلا.
سلسلة جبال حمرين تمثل تهديداً أمنياً قائماً ما دام الفكر الإرهابي موجود، وهي أشد خطورة من الصحراء الغربية، والتي تحدثنا عن خطورتها وأهميتها أمنياً في موضوع سابق، فإذا كانت خطورة الصحراء الغربية تتمثل بمساحتها الشاسعة المترامية الأطراف التي يصعب السيطرة عليها ومراقبة كل رقعة فيها، فضلاً عن وعورة بعض مناطقها، فإن خطورة حمرين تتمثل أيضاً باتساعه وامتداده من
جنوب العراق إلى شماله لكن خطورته الأشد تتمثل بالوعورة التي يمتاز بها والتي تقف حائلاً دون وصول العجلات والمدرعات إلى الغالبية العظمى من مسالكه، وهو ما يضطر القوات الأمنية إلى تسيير الدوريات والمداهمات الراجلة للوصول إلى مخابئ الإرهابيين،
وفي ذلك مخاطرة كبيرة بل أنها أشبه بعمليات استشهادية، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن معظم سلسلة جبال حمرين مفخخة بحقول ألغام منذ حرب الثماني سنوات مع إيران، يضاف لها حقول العبوات الناسفة التي زرعتها التنظيمات الإرهابية المتعاقبة التي اتخذت من حمرين ملاذاً لها منذ العام 2003
ولغاية الآن.
وعليه فإنّ التهديد الأمني الذي تمثله سلسلة جبال حمرين لا يمكن القضاء عليه بعمليات تمشيط منفردة تحدث بين وقت وآخر، كما أن انطلاق عملية لتمشيط كل شبر في هذه المنطقة الوعرة هي بمثابة حرب استنزاف تتطلب تخصيصات ضخمة مالياً
ولوجستياً وبشرياً وتحتاج إلى عدة شهور للقضاء على أي تهديد أمني في حمرين، ومن ثم بعد ذلك يجب نشر قطعات عسكرية لتغطية كامل مساحة السلسلة من شمالها إلى جنوبها لمنع تسلسل الإرهابيين إليها، وهذا أيضاً يحتاج إلى عدد كبير من المفارز والمرابطات الأمنية
مجهزة بأسلحة وتحصينات تمكنها من صد وإحباط أية محاولة اختراق لحدودها والوصول إلى سلسلة الجبال، مما
يعني أنّه حتى في حال نجاح العملية الأمنية الضخمة التي تحدثنا عنها لتطهير سلسلة جبال حمرين فنحن لا بدّ سنحتاج إلى طوق أمني يحصن هذه السلسلة من عودة المجاميع الإرهابية إليها، وبذلك نصل إلى أن الحل الأمثل لمشكلة حمرين هو تطويق السلسلة أمنياً لمنع تسلسل أي مجموعة إرهابية إليها، وفي الوقت نفسه قطع الإمدادات عن المجاميع التي قد تكون ما زالت تختبئ في هذه المنطقة الوعرة.
خلاصة القول، التهديد الأمني في العراق ليس بالهين والقضاء عليه يتطلب إمكانيات ضخمة جداً وتقنيات حديثة ومتطورة وربما غير مسبوقة، وتجهيزات خاصة ومتقدمة وأعداد بشرية كبيرة ووقتاً طويلاً، لكن بالإمكان اختصار كل ذلك باعتماد خطة الأطواق الأمنية للحد من مخاطره وتحجيم اتساعه وبمرور الزمن تجفيف منابعه وإمداداته، لكون
الأطواق الأمنية تقتصر على نشر المرابطات وحتى وإن كانت تتطلب أعدادا كبيرة من القوات لكن ميزتها أنها تختصر لنا الكثير من الجهد والوقت والمعدات والتخصيصات اللوجستية الكبيرة، والأهم من كل ذلك أنها ستجنبنا الخسائر البشرية التي قد تترتب على زج القوات الأمنية في مناطق وعرة المجاميع الإرهابية أعلم وأعرف بمسالكها من القوات
الأمنية.