الشكل المسرحي في رواية موت الراقصات

ثقافة 2023/05/03
...

ضحى عبدالرؤوف المل

تبرز الواقعيَّة الشاعريَّة بين طبقات المجتمع الذي ينبثق من الملهى الليلي وفضاءاته المفتوحة على ملهاة بشريَّة في معنى أفعى الجنون والهوى في رواية “موت الراقصات” للروائي وكاتب السيناريو “أنطونيو صوليير” الذي أطلق هذه الجملة في روايته، لتكوين صورة لعشاق الفنان المتخفي خلف ستارة العشق التي قد تؤدي إلى التهلكة، فقد انطلق موت الراقصات من قوة الإيحاءات المستقبليَّة التي منحها صفة الحرث المستقبلي. للتخلص من جهنم الدنيا أو عذابات العلاقات التي تتكون بين مساحتين. لا تربط بينهما إلا الوجوه التي رصدها “أنطونيو صوليير” درامياً. لتكون الشخوص متذبذبة بين المبدأ والحقيقيَّة الواقعيَّة التي لا مفرَّ منها، كجزء لا يتجزأ من مسار الحياة التي نحياها بضجيجها وسكونها، ومتغيراتها وحتى مؤثراتها بين الماضي والحاضر، وما اسم الراقصات ليلى وفاطمة إلا للرجوع إلى الماضي القريب أو التألق العربي في إسبانيا، وإن من خلال الأسماء العربيَّة، وحقائق وجودها بعيداً عن التشويه. بل بأريحيَّة روائيَّة محصورة في ملهى ليلي، وهو امتداد لحيوات انتقدها صوليير ابن مالقا، إذ ما زالت الكثير من العائلات تحتفظ بألقابها العربيَّة، كما تقول الباحثة “إلينا بونيتا” فالراقصة “هورتنسيا رويث” التي كانوا يسمونها ليلى تمثل حقبة اجتماعيَّة في إسبانيا، وتحديداً في لشبونة ومالقا وغيرها، لخلق محاكاة محصورة برؤية للأحداث في ملهى ليلي يجمع فيه جميع فئات الناس المختلفين في الآراء والمواقف، وإن بدت الحبكة تصويريَّة بشكل أكبر محشوة بالموت الملون بالأحمر أو المضرج بالدماء. إلا أنَّ “أنطونيو صوليير” استطاع تقديم ملهاة صغيرة يمكن لها أن تكون على خشبة مسرحيَّة، لما تمثل الحركة فيها نوعاً من الرقص الفني الممزوج بصور سلوكيَّة استمدت ولادتها من الماضي والحاضر الذي يتشكل منه الحرث المستقبلي. فهل للواقعيَّة الشاعريَّة في رواية “موت الراقصات” نوع من تكريس أدبي عرفناه ما بعد الحرب العالميَّة الثانية؟ أم أنَّ العمق الروائي في هذه الرواية هو لتحقيق انتفاضة تعبيريَّة عن مشاعر يمكن أن نسميها الملهاة المؤسسة لرؤية الواقع ومرارته بشكل شاعري؟ 

أهميَّة معطاة لموت الراقصات اللواتي تشكل حركاتهنَّ عشقاً مختلفاً عن الواقع في الحياة، فالعالم الليلي البعيد عن أضواء النهار يغرق في الألوان والأضواء المختلفة والثياب المزركشة وجماليات الإيقاع والموسيقى، والموت بلذة تكسر إيقاع الرتابة في موت على فراش بارد، وبلغة مجازيَّة بعيداً عن تمجيد الذات لجأ صوليير إلى تصوير مسرحيَّة نقرؤها في رواية تعيد مجد الواقعيَّة الشاعريَّة، بأسلوب رشيق تغلب عليه فكرة الحفاظ على جماليَّة اللقطة المثيرة. للاهتمام من حيث الوصف ودراميَّة الواقع الذي ينبثق من عوالم الملهى، والموت المتكرر فيه، والذي بات نوعاً من الإثارة المصيريَّة المنتظرة من قبل جمهور ملهى برشلونة بعيداً عن القيم الفنيَّة في هذه الأمكنة التي تعتمد على قوة الحدث أو جرأة الراقصات في تكوين أشكالهنَّ أو نحتها بالجسد واللباس معاً، وكأنَّ لظل الراقصة علاماتها الكبرى في الخلود، إن في موتها أو حياتها. وما تشكيل صورة وجه ليلى على جسد راقصة أخرى إلا لخلق فكرة الزمن يعيد نفسه في كلِّ زمان ومكان من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل. وما الرقص في لشبونة إلا لتشكيل كينونة ملهاة صغرى لقصة من الحياة فيها الحبّ والشاعريَّة. وفيها اختصار لمقولة ومن الحب ما قتل. فهل شدد “أنطونيو صوليير” على الصيغ الأدبيَّة الأكثر قوة وديناميكيَّة من الرواية وهي التكيف الأدبي مع الشكل المسرحي في الرواية؟ أم أنه شدد على قيم الواقعيَّة الشاعريَّة وتشبعها بمرارة الحياة وحلوها ويأسها وأملها، وحتى انتحارها التراجيدي كما فعل “كوسمة” الشخصيَّة التي لم يسلط عليها الضوء كما سلطه على الراقصات؟ فهل موت الراقصات يشكل رؤية حقيقيَّة في ملهاة مصغرة؟