الخطاط عباس البغدادي.. آخر سلاطين الخط العربي

ثقافة 2023/05/03
...

 إعداد: صفاء ذياب


أعلن صباح اليوم في أميركا عن رحيل آخر مدرسة محترفة في الخط العربي وهو الخطاط عباس البغدادي، البغدادي الذي قدّم فنّاً يعد امتداداً لمدارس الخط العربي وتلميذاً نجيباً للخطاط هاشم البغدادي الذي غيّر الكثير في تقنيات الخط العربي، غير أنَّ ما يميز أعمال عباس بغداد أنّه تمكّن من إعادة فن الخط إلى الدوائر الرسميَّة، فضلاً عن اهتمامه في تفاصيل الأدب العربي الحديث، لا سيّما أنَّه خط أكثر من قصيدة للسيَّاب وغيره من شعراء الحداثة العربيَّة، وهو ما لم يكن معروفاً في الخط الكلاسيكي قبله.


من هو البغدادي؟

لم يكن عباس البغدادي مجرّد خطاط عابر، بل كان مؤلفاً ومعلماً للخط العربي والزخرفة الإسلاميَّة، من أعماله تصميمُ بطاقة الأحوال المدنيَّة العراقيَّة وشهادة الجنسيَّة والعملة العراقيَّة والجواز العراقي وشعار الدولة، كما عُيّن رئيساً للخطاطين العراقيين منذ سنة 1988 حتّى 2003، وفي سنة 1997 أُمِرَ أن يكتبَ مصحف الدولة العراقيَّة فكتبَهُ بخطّه مستعيناً ببعض تلامذته، وخرج بعد احتلال العراق إلى الأردن ثمَّ أمريكا تجنّباً لخطر التهديد، عمل في تدريس الخط العربي في الأردن سنة 2003 حتى سنة 2008، وصمّم إحدى فئات العملة في أبو ظبي، ثمَّ عمل في تدريس الخط العربي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي في فرجينيا سنة 2009، نال جائزة بغداد لأفضل الرسامين الشباب (بغداد) 1969، وعمل في الدار العربيَّة للطباعة والنشر ودار الحريَّة للطباعة والنشر ببغداد سنة 1975 إلى 1980، وعُيّنَ أستاذاً للخط العربي لجمعية الخطاطين العراقيين ببغداد العراق سنة 1975 إلى 1990.

تمثّل أعمال عباس البغدادي إحياءً لأسلوب الخط التراثي ممتدّاً إلى المرحلة المعاصرة مع دراسة واطلاع على الدراسات العلميَّة الحديثة، يكتب بخطوط متعددة ويزداد اهتمامه وإتقانه لخط الثلث الجلي، وخط النسخ.

يقول البغدادي عن اهتمام الدولة العراقيَّة به: "كانوا يقولون إنَّني كنز وطن، ولقد طلبوا مني كتابة كل أنواع المخطوطات، كل الوثائق الرسمية للوزارات والمحاكم والوثائق التي ترافق الأوسمة، لكنَّني لم أكافأ بشكل منصف".

ومن أهم أعماله: تصميم شهادة الجنسيَّة وهوية الأحوال المدنيَّة وجواز السفر العراقي والعملة العراقيَّة وشعار الدولة العراقيَّة، مصحف الدولة العراقيَّة سنة 1998، كراس ميزان الخط العربي سنة 1986 وكراسة تحفة الميزان سنة 1990، كتابة العديد من اللوحات الخطيَّة على جدران المساجد العراقيَّة وبعض الدول العربية، فضلاً عن تدريس مادة أصول وقواعد الخط العربي.

كما نال البغدادي جائزة بغداد أفضل الرسامين الشباب في بغداد 1969. وعمل كخطاط في الدار العربية للطباعة والنشر ودار الحرية للطباعة والنشر ببغداد 1975 - 1980. عمل في وظيفة رئيس الخطاطين في الدولة العراقية 1988 - 2003. شغل منصب رئيس جمعية الخطاطين العراقيين ببغداد العراق 1999 - 2003. أستاذ الخط العربي لجمعية الخطاطين العراقيين ببغداد العراق

1975 - 1990. قام بتدريس مادة الخط العربي في عمّان 2003 - 2008. صمم بعض أعمال الخط العربي للعائلة المالكة الأردنية. خط عناوين كتاب الكسوة الشريفة، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية عام 2006. شارك في المعرض الخاص للخط العربي في إمارة الشارقة 2007. صمم العملة الخاصة بإمارة أبوظبي 2007. درّس مادة الخط العربي بمعهد الفكر الإسلامي هرندن فرجينيا 2009. إقامة ورشة عمل في متحف ريجموند، فرجينيا 2009. إقامة ورشة عمل في المتحف الإسلامي جورجيا 2009. عمل مستشاراً في إنشاء متحف للمخطوطات العربية والإسلامية في مركز كندي، واشنطن العاصمة 2009.

يشير الباحث في الخط العربي الدكتور محمود فتحي، أن أعمال الفنان (عباس البغدادي) تؤرّخ للعبقرية الكلاسيكية التي تنبع من النظريات الأكاديمية بقواعدها وثوابتها لتترجم لغتنا الجميلة وتفسّرها ماهية للوحات بتراكيب مضيئة.. إنّه الفنان الاحترافي شيخ الخطاطين العراقيين هو الواقف على مراحل متعددة من التاريخ للحقبة الكلاسيكية القديمة والمرحلة المعاصرة الحديثة فهو الخطاط صاحب التجارب الكبيرة وقد ثقلته تجارب العظماء والخطاطين الرواد بالعراق، وتأتي أعماله بشكل كلاسيكي وبنط عريض ليعطي علاقة متزنة تبدو فيها وسامة الكلاسيكية ونلاحظ أنَّ حروفه في غاية الاتزان والتوازن البياني ويتميز بهندسيته للحروف وقوة الحرف وهو يكتب على روعة الأنماط والاتجاهات المختلفة بكل أنواع الخطوط إلَّا أنّه يعتمد خط الثلث وجهة له ويعد خط النسخ محورياً في أعماله وعاملا مساعدا لتقديم التنوع الكتابي في اللوحة الواحدة.

ويضيف فتحي: تأتي الكتلة في أعماله بتعادليه تامة ووحداويَّة العناصر التي وزّعت بشكل غير نمطي وبماهية احترافية على بيان خلق كثافة إيجابية نظراً لأنَّ أعماله متوازنة في تضفير الحروف وتأتي التشبيكات الحرفية بشكل متعادل ومتزن؛ لذا تأتي الكتلة عنده في صورة إيجابية وهو دائما ما يختار الآيات المشهورة التي تسهُل قراءتها ويأتي الإيقاع بصورته الكلاسيكية الموسيقية لوجود العلاقة بين البنط العريض والمساحات الترصيفيه للحروف، مبيناً  هندسية الحروف وإبراز محطات الاتزان والتوازن الحرفي التي تأتي طواعية بشكل رائع مهاري... كما يكتب الفنان برؤى إخراجية وفق الأشكال الهندسية والقوالب المستوحاة من أصل الطبيعة والمجسمات البيئية وغالباً ما يستحضر روح التراث في الرؤية الإخراجية، وتأتي كتاباته على الأشكال المستطيلة الشريطية والدائرية والبيضاوية وهذه الكتابات كلّها تستوحى من أصل المعنى، ودائماً ما يكون المضمون وفق (قاعدة الدلالة)، معتمداً على فن (التعاكس والتردد والتماثل والتطابق).

ويقارن الباحث ثائر الأطرقجي بين لوحتين، الأولى للخطاط هاشم البغدادي، والثانية لعباس البغدادي، وهي خط الآية الكريمة (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)، وفي قراءته للوحة عباس البغدادي، يبيّن أن قراءة النص تبدأ من أسفل اللوحة واستثمر الخطاط خاصية توالد الحروف في كلمة (وما) وتعني هذه الخاصية استخراج جزء لحرف معين من حرف آخر في الكلمة نفسها أو كلمة أخرى للتركيب نفسه، أو كلمة من كلمة أخرى أو اشتقاق كلمة من نهاية حرف في كلمة أخرى، فتساعد هذه الخاصية على حل إشكالية تقليص الفضاءات الناتجة أو على تحديد القياس لكلمات النص الكثيرة فتعمل على اختزال الحروف بالأجزاء المتشابهة شكلياً (كراس الفاء والواو والقاف ونهايات الراء والواو والنون وغيرها من بقية الحروف الأخرى) فهذه الخاصية تخلق نوعاً من العلاقات التصميمية كالتكرار والتطابق والتشابه والوحدة في البنية الخطية وهذا بدوره يضفي طابع الغموض المقصود أو التعقيد للتركيب من أجل الإثارة والتشويق (فهو يثير نشاط الذهن ويشد الذكاء أكثر من رؤيته كعمل خطي أو زخرفي آخر). 

وعملية الاشتقاق أو التوالد تتطلب مهارة عالية وإتقان غير عادي لقواعد وأصول الخط العربي.

كما أنَّ الخطاط لم يقم بتنصيل حرف الياء في كلمة (أوتيتم) وسحب حرف الميم في كلمة (من) إلى عراقة حرف العين من كلمة (العلم) بشكل مريح ورفع حرف (لا) في كلمة (قليلاً)، أدى ذلك الخروج من دائرة المحاكاة الدقيقة للوحة (أ).

وفي مقارنته بين اللوحتين، يقول الأطرقجي: يتضح من دراسة اللوحتين هو بيان كيفية توظيف الخطاط خصائص الثلث في بنية خطية مبتكرة لا نظير لها في الطبيعة بشكل متقابل (مرآتي) مبني على خواص فنية من المد في الحروف وتولدها وتعدد هيئة الحرف الواحد وخلق تنظيم مكاني صحيح لمفردات النص اللغوية ومعقد في الوقت ذاته وهذا ما أكّد عليه الخطاطان في تلك اللوحتين فضلاً عن مراعاتهم لقواعد وأصول الخط وفق قيم جمالية قائمة على أسس وعلاقات تصميمية ومن أبرزها التكرار والتوازن اللذان يؤديان إلى علاقة التطابق التام لنصفي التركيب الدائري وشبه البيضي المتقابل (مرآتي) والمتضاد من حيث الاتجاه القرائي لنصفي الدائرة وذلك لأغراض تزينيَّة.