كاظم السعدي.. نهاية تراجيديَّة

ثقافة 2023/05/03
...

سامر المشعل 

"من يموت شاعر تحزن النجمات" مثلما يقول الشاعر جبار الفرطوسي، وعندما يكون الشاعر بحجم عطاء وابداع كاظم السعدي، سيكون الحزن مضاعفا.

كاظم السعدي 1948 - 2023 عاش نجمًا في سماء الاغنية العراقية والعربية، وكان يتودد إليه نجوم الغناء، ثم هوى إلى تراجيديا غير متوقعة في دار المسنين، لا سكن ولا أهل ولا خلان.. يشكو العوز وخذلان الزمن وأقرب الناس اليه.

السعدي من الشعراء القلائل، الذين ظلوا يكتبون على مدى أربعة أجيال، منذ سبعينيات القرن الماضي وإلى لحظة رحيله الاسبوع الماضي، وهو يزداد مع مر الأيام تألقا وتأنقا بالكتابة. ويعود له الفضل في إشاعة الفرح في نفوس المستمعين، ومساهمته الفاعلة في بناء الذائقة الجمالية.

كتب اغاني لكثير من الفنانين منهم: رياض احمد، سعدون جابر، هاني شاكر، وليد توفيق، لطفي بوشناق، واصالة نصري وغيرهم.

كتب أجمل دويتو بين سعدون جابر وسيتاهاكوبيان "نحب لو ما نحب "، كتب 13 أغنية لكاظم الساهر منها "ميسور الحال، شحلو طولك، ونيت من لوعتي"، كتب معظم أغاني الفنان وليد الشامي، التي اشتهرت عربيا، كتب أغنية "يا عين وتكولين خلي نسامحه" لقاسم اسماعيل، كتب أغنية "اشوفك وين يامهاجر" لحاتم العراقي، كتب للنجم العربي عاصي الحلاني أغنية "يا ناكر المعروف"، وكتب لديانا حداد أغنية "ياهل العشك"، وكتب للنجم راشد الماجد أغنية "سلامات".. وغيرها من الاغاني التي لا يتسع المجال لذكرها.

ربما يتفاجئ بعض القراء ان كاظم السعدي نفسه من كتب اغان مثل "عمي ياابو جاكوج، ولا تسالني عن عنواني، واليمشي بدربنا شيشوف".. هذه الاغاني التي اصبحت أناشيد وطنية يرددها الحزب الشيوعي ويتغنون بها كايقونات جمالية تعبر عن نضالهم الوطني، وترنيمة يرددها الشغيلة الكادحة الحالمة بالتحرر من ربقة الفاشيست، وقد شكل مع الفنان جعفر حسن ثنائيا ابداعيا ما زال شذى عطر أغانيهم السياسية ينث في ذاكرة الوطنيين والأحرار.

ولو إن الشاعر كاظم السعدي لم يكتب الا أغنية واحدة، هي أغنية "كلنا العراق"، التي غناها الاماراتي حسين الجسمي، لتكفي أن يكون مكرما ببلده بحياته وبعد مماته، اذ جعل كل العراقيين والعرب تردد هذه الاغنية، وتحصد التأييد المعنوي للعراق في ظرف عصيب كان يعيشه العراق مع وحوش التطرف والارهاب.

وعن سرعة بديهية السعدي، فقد اتصل الفنان حسين الجسمي، وطلب منه كتابة أغنية شعبية عن العراق، فكتب بعد فترة وجيزة:"حبيبه أم كذيلة، رائعة وجميلة، الف ليلة وليلة، حب وغرام ". فصرخ الجسمي في الطرف الاخر من الهاتف "عاشت ايدك تعال بسرعة إلى الاستوديو".

أثناء الطريق الذي يستغرق ساعة، أكمل السعدي أغنية "كلنا العراق" واعطاها للجسمي، فازدادت دهشته قائلا "متى كتبتها"؟.. وبالليلة نفسها انتهى الجسمي من تلحينها وتسجيلها في الساعة الرابعة فجرا، لتخرج أغنية "كلنا العراق"، ولم يكن الجسمي يتوقع أن تحقق هذه الشهرة العاصفة.

لا أدري هل راود نقاباتنا وجمعياتنا والمؤسسات المعنية بالثقافة والفن شعور بالذنب، تجاه الشاعر كاظم السعدي، أم ران على قلبوهم أوكسيد اللامبالاة كالعادة؟!.