علوان العلوان.. التسامي في العمل النحتي

ثقافة 2023/05/04
...

 خضير الزيدي 


في كل محاولة فنية بطابعها النحتي، يضعنا علوان العلوان، أمام نوع من العمل الرشيق، والموضوع المؤثر. وقد سعت رؤيته جمالياً وتعبيرياً على مخاطبة الآخر، وفقا لمغايرة في الاستعارة، وايحاء عالق في ذهنية العمل الفني. بما يوائم بين مستويات عدة، منها ما يتعلق في بناء الشكل وطريقة تكوينه بصريا ومنها ما يترك استلهاما في وضوح الدلالة، وهو بكل هذه المعالجات يعثر على نحت ذات قوام رشيق تتخفى وراءه فرادة في تصعيد نزعته في النحت واظن انه ترك تصوراته الذهنية ورؤاه في أسلوب ميزه منذ زمن بعيد فعدت منحوتاته مميزة بكل ما تحمل من طاقة وإيحاء رمزي أو ما تعلق في بنائيتها ونزعتها للموضوعيَّة. وأهم ما يلفتنا أن منحوتاته خرجت من طابع الحرفة التقليديَّة إلى أفق الخبرة التي تقدم أولويات الجمال في الشكل والمعنى، فقد وازن بين إثبات هويته في التجريب النحتي وبين مسلّمات البعد الثقافي في العمل الفني، فسنجد دائما ما يثيرنا في الشكل حيث التمدّد والاذعان لرؤيته في انتاج فن ذي طابع حسّي يؤسس لصفات أسلوبيَّة مختصرة بحقل دلالي جراء منظومة شكليَّة أراد لها أن تكون ضرورة قائمة أمام ذائقة المتلقي فانخرطت أعماله في أفكار واقعيَّة وتشخيصيَّة تتضمن تفاصيل معينة بما يضمن التوازن والارتباط بين علاقة الشكل النحتي بالموضوع. فلم نتلمّس غرابة ولا تشتتا في البناء الظاهر أمامنا كل ما نراه أنه يجاري الواقع بتعبير خالص ومواجهة مقتدرة في تطويع مادة البرونز وبيان قوائم الأشكال وهي خارجة عن تعقيداتها كونه بالحقيقة يضع المتابع له أمام رهان في المواجهة وألفة بعد رؤية منجزاته النحتيَّة، ومثل هكذا تأكيد لم يكن عند العلوان إلا بيانا لخطاب فني متأكد من تحرره من أغلال كثيرة، لعل أولهما الابتعاد عن التأثير الأسلوبي بالآخر، نعم بقيت منحوتاته مجرّدة من عوامل التأثير، لأنّها لامست بنية الواقع وكانت الحياة اليوميَّة مصدرها. وهذا ما رأيناه في معارض تتخذ من الريف والأهوار في نحت القوارب أو الحيوانات طابعا لها فتجلت يوميات الإنسان العراقي تحت طائل الشعور الفطري بالانتماء، وترتّب على ذلك أن تكون منحوتاته متلبسة بخطاب المحيط الحياتي فتعاظم المفهوم والقدرة على صياغة أشكال لها إرادة الحياة واحتواء لحظات الفرح والحزن والغربة وما يماثلها في كل قدر من ممكنات المرء.

أظهرت الغالب من أعمال النحت لعلوان العلوان مرونة في الحركة، وهذا يمثل نوعاً من المهارة في البنائية، فهو ينتج فنا يتسع لنطاق المعرفة وكيفية الصنعة. في مقابل ذلك تمثل لنا منحوتات البرونز وثائق واقعية كأنما يتم العثور عليها عبر حقل الفن وأطروحاته الجماليَّة، وعلينا الاهتمام والمتابعة لكل ما ينجز على يد هذا الفنان الذي لا ينكر انتماءه لواقع مليء بالمتناقضات لهذا لا يحجب عنا أدق التفاصيل وعلينا العودة دائما إلى مرجعياته. لم تمثل منجزاته إشكالية معينة أو تغريبا في النزعة من حيث حقلها الدلالي، ولا في بنائها الشكلي بقيت مستندة إلى رؤية وهوية صريحة تتضح معالمها في كل معرض يسهم في إحيائه هذا الفنان لدرجة أنّها تعكس الواقع بشكل ملموس فخيال هذا النحات ملتبس بجذر بيئي يحافظ على طبيعته وتحوله بموازاة انجاز فن يليق باسمه صياغة واسلوبا. التمثيل الحقيقي لكل عمل لديه يضعنا امام مفاضلة من طراز محتدم فالتداخل بين الواقعي والتعبيري والرضوخ لمخيلة تلجأ الى توظيف البيئة ظل على الدوام يغمرنا بمزيدٍ من الأفكار والأعمال الفنيَّة لهذا أقول بعد كل عمل له أنه بعيد كل البعد عن الطلاسم والغرائبيَّة، تراكيبه الشكلية لم تضل طريقها لا بحمولات حدسية أو تخيلية. إنّها تكرّس لاشتراطات جمالية تعبر لحظة الشعور والدهشة بها وهي الاقرب لوعي المتلقي حينما يقف عندها. تبقى تجربته حاملة لإيحاء وطاقة خاصة بأسلوبه في النحت فهي كما معرفة لدى الجميع تختزل الكثير مما نعيشه أو يمس واقعنا الاجتماعي والسياسي، لأنه لم يخف ذات يوم شعوره وهو يشتغل أو يفكر بنحت يعكس ضرورة بقائنا فوق هذه الأرض لنحيا مجتمعين بعيداً عن لغة الاغتراب. هيئات الاشكال النحتية معرضة للحقيقة، تعد لمواجهة لا تقبل الرجوع أو الخوف مما تلقيه من دهشة أمام المتلقي، فهي أعمال محررة من قيد وكوابح الغرابة لتكون في نهاية المطاف مغرية ومصدر تأمل لمن يقف حولها.