أكتب ما لا أجده في الكتب لأصل إلى الحقيقة

ثقافة 2023/05/07
...

  عدوية الهلالي

تواجه الكاتبة الفرنسية كولومب شنيك تحديا حقيقيا يتمثل في استكشاف ذكريات المرء لتجربة الحاضر بكل حقيقته في روايتها الجديدة (أكاذيب في الجنة) الصادرة عن دار غراسييه للنشر، إذ تستكشف شنيك ذكريات طفولتها السويسرية المثالية فقد كانت تمضي شهرين رائعين كل عام في واد أخضر غير ملوث مع أسرة كارل وآن ماري كأسرة بديلة بعد أن واجه والداها مصيرا رهيبا، ثم تتساءل عن نزوعها إلى خداع نفسها، لتقديم قصة حساسة تنتهي نهاية سعيدة فقد تخيلت شنيك كتابا جميلا يروي قصص طفولتها الجميلة لأنها مثل أي مؤلف يمكن أن تكذب وتغير الواقع كما تقول!

وتصف الكاتبة في روايتها طفولة مقسمة بين أسرتين، إحداهما بيولوجية والأخرى بديلة، والتي تبدو مع ذلك أكثر “واقعية” في بعض النواحي فقد رباها والداها في عالم غير واقعي، مصطنع تمامًا، لأن واقعهم كان قاسيًا للغاية ولأنهم أرادوا حمايتها من ماضيهم ومن طفولتهم التي عاشوها في الهولوكوست عندما تم اخفاء الأطفال اليهود، وإبادة جزء من عائلاتهم. 

لقد أحبها اهلها، لكنهم كانوا خائفين، بسبب محنتهم، من تشويه طفولتها، لذا تم إرسالها إلى سويسرا الى أسرة حقيقية، حيث كانت هناك قواعد، وكانت تتم معاقبتها عندما يكون ذلك

ضروريًا. 

كانت تبدو لها هذه الأسرة السويسرية أصدق جزء من طفولتها. 

كان هنالك نوع من القسوة في الطريقة التي نشأت بها، ولكن ليس لديها ذكريات سيئة عن ذلك لأنها وجدت الاهتمام هناك حتى لو استمر ذلك شهرين فقط في السنة.

وتؤكد كولومب شنيك أن أكثر ما يهمها هو أن يحكم الناس عليها بإخلاص عندما تكتب لأن الأكاذيب كانت موجودة في كل مكان في طفولتها، في المنزل وفي سويسرا في تلك المناظر الطبيعية الشبيهة بالجنة للاختباء من الواقع.

كان كل شيء نظيفا هناك، لكن الواقع ليس نظيفًا، وكان يجب التعامل معه. 

تقول شنيك: “نحن جميعًا نكذب على بعضنا البعض بشأن ما يحيط بنا، بشكل أو بآخر وبوعي تام فقد قال الفيلسوف كليمنت روسيه إن حقيقة المشاعر، مما نقوله، تصبح ثانوية، لأنها تتطلب “قلبًا وقحًا” لقبول الواقع، وفي الواقع، هنالك حروب وتلوث وبطالة وحالات طلاق وقصص تنتهي بشكل سيء على العموم، لذلك نحن نكذب على بعضنا البعض لنعيش بشكل 

أفضل. 

نحن نعتقد أن الموتى سيعودون، وأنهم ليسوا أمواتًا بل غائبون فقط ... فقط، يأتي وقت تتعفن فيه هذه الأكاذيب، ولكي تكون سعيدًا، عليك أن تقبل هذا الواقع وأن تتعامل معه. 

وهذا هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل العيش بهدوء”.

وتشكل الكلمات بالنسبة لها أسلحة يمكن أن تواجه بها الواقع بدلا من الهروب منه فهي تكره الشكوى، وفوق كل شيء لم ترغب في لعب دور الضحية، ربما لأن والديها كانا ضحيتين وما مرت به لا يضاهى مع ما مرا به، ولم تصدر عنهما أي شكوى أبدًا. 

وتخبرنا هذه الرواية عن حقيقة غير ملموسة فالكاتبة تفهم وتقبل حقيقة أن والداها قد ماتا، وانها منذ ذلك الحين، لم تعد تلك الفتاة الصغيرة اللطيفة التي تعتقد أنه إذا كانت صبورة ولطيفة، سيعود 

والدها. 

ففي سويسرا، تعلمت شكلاً من أشكال المقاومة – إذ كانت تسير من الصباح إلى المساء، وكان هذا هو مصدر قوتها، اما اليوم، فليس عليها أن تقاوم بعد

الآن.

وترى الكاتبة بأن الكلمات فشلت في تدميرها، لكنها خلصتها أيضًا، فقد قرأت كل ما وقع بين يديها والتهمت الكتب، وقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً لتدرك أنها انما كانت تبحث عن أفراد أسرتهاالغائبين. 

ثم جاءت الكتابة لملء هذا الفراغ وبدأت تكتب ما لا تجده في الكتب، لكنها ما زالت تبحث عن أسماء وأشخاص وحقائق خافية عنها. 

تقول: 

“انا أكتب لأني أصل إلى شكل من أشكال الحقيقة من خلال الكتابة، فنحن نفصل، ونرتب، ونصحح، ونرتب الأشياء، ونمارس نوعا من الحيلة، ومع ذلك لا يمكننا الوصول إلى الواقع إلا من خلال 

الكتابة”...