المثقف الأناني

ثقافة 2023/05/09
...

 حبيب السامر


مثلما تنمو  شجرة  في بستان تترك ظلالها ورائحة ثمارها العاطرة، تتواجد بالقرب منها شجيرات واطئة تغطي لحاءاتها وأغصانها الأشواك من دون ظلال تكفي لاستراحة تحتها، أو عطر يسحبنا من عولمنا إلى مساحتها.. هكذا هي الحياة دائما، يتجاور الخير والشر أحيانا في شخصيتين متنافرتين تسعيان إلى إثبات وجودهما في هذا العالم الواسع.

وكما أطلق انطونيو غرامشي على المثقف العضوي بقوله: «ذلك العنصر المفكر والمنظم في طبقة اجتماعية أساسية معينة. ولا يتميز هؤلاء المثقفون بمهنهم، التي قد تكون أية وظيفة تتميز بها الطبقة التي ينتمون إليها، بقدر ما يتميزون بوظيفتهم في توجيه أفكار وتطلعات الطبقة التي ينتمون إليها عضوياً»، تظهر في مجتمعاتنا شخصيات تتبع نظاما لا يساير منظومة العصرنة، بل يساورها الميل الشديد إلى التمسك بالعادات والتقاليد السلبية المترسخة والعالقة بأردان المجتمع، وعكسها في نتاجهم وأحاديثهم، متعلقين بالصنميَّة والطقوسيَّة الاستبداديَّة والقولبة في حيز ضيق جدا، من دون مد البصر إلى آفاق التحولات الحياتيّة وما شهدته من دفن عناصر التخلّف والعلل الواهية ومنعها من الزحف نحو الحياة الهادئة.هناك بعض مثقفين يعانون من ملازمة الكبت والحرمان في مرحلة من حياتهم والتمسّك بظواهر القصور في تقبل الآخر والنيل منه وهذه مرهونة بالثقافات المتعاقبة والمرتبطة بالسلوكيات المحروقة التي تجعل من النرجسيّة المفرطة غطاء لها وتقليدها، واللجوء إلى التكرار من دون معرفة بواطنه والتشبّث بالسلوكيات والأفكار الفارغة والراكدة التي لا تخلّف إلا شوائب الذوات المريضة، وهي تشكل عائقا أمام الآخرين وتستشري حين يلجأ – البعض- إلى تكرارها وتداولها، بحسب العديد من الآراء والأفكار التي تجسد هذا النمط من

المثقفين.

هذه الغرورية الناشئة من فرض مركزية الذات وخضوعها إلى الاعتقاد المفرط بأنه أكثر أهمية من غيره وهو فوق الاعتبارات ولا بدَّ من الاصغاء التام لحديثه ويتضخم هذا الشعور بالمظاهر الواهمة لسلوك بعض المشجعين له مما يعزز في ذاته الذات المتورّمة، بسلوك شائن ناتج عن الخيبات المتلاحقة لتحقيق مآرب أكبر من حجمه، فتجده مثيرا للمشكلات، والتشكيك بالآخرين، والاعتداد المفرط بالنفس، والميل الدائم للتباهي وهذه تشكل بحد ذاتها ردود أفعال سلبية عندما توجه له النقد، على العكس من ذلك هناك من يتحلى بالمنظومة القيمية والمحاولة الدائمة في غرس الشعور الحقيقي لتوسيع دائرة العلاقات المجتمعية والتحلي بروح الاصغاء قامعين النرجسية التي تهبط بمن يتخذها إلى محيط العزلة والنبذ. فعلا، لا بد من اعتماد ثقافة الاعتراف بالآخر والاصغاء إلى أفكاره، وهذه أهم الوسائل والأهداف لبناء الانسان والتي تسعى إلى كبح جماح الأنانية، ولكي نعززها – ثقافة الاصغاء- مجتمعيا، لا بدَّ من الاستمرار على تدريب النفس على خصالها وخلق صيرورتها وزرعها تلقائيا لطمر الحالة الغرورية والتحلي بإنكار الذات لكسر قيد الأنانيّة وإذابة جليدها وهي تعد من الركائز السحريّة التي توطد العلاقة الواسعة مع الناس والاكتراث الشديد بما يحمله الناس من أفكار من دون اللجوء إلى سياسة رفض الآخر ولا يقف عند هذا الحد بل يلجأ إلى اقصائه والتخلص منه، وهذا دليل حقيقي على فساد منظومة العقل والتلقي عند هذا الأنموذج الذي سجن نفسه بالحقد والحسد وتحقير الآخر والقذف بما لا يليق في ساحة المثقف المتواضع والمحبوب، هذه بعض التقاطات حياتيّة يمر بها كل مثقف وهو يشخص آفات الأمراض التي عصفت بواقعنا الثقافي لدى بعضهم.