أغاني العمل

ثقافة 2023/05/10
...

سامر المشعل 



الاغنية هي اصدق مرآة عاكسة لما يدور في تفكير ومشاعر الناس، وكذلك الواقع المعاش بتلقائية ابداعية، تجعل الحياة أكثر احتمالا وتزيد من لهفتنا لها، ومثلما يقول بيكاسو "الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية ".

وقبل أن تسقط الاغنية في نفق التجارة وتدخل البورصة والترويج الاعلاني، ومن ثم تحولت إلى العالم الافتراضي بمواقع السوشل ميديا وشراء أكثر المشاهدات بلعبة التحايل على الذوق العام.. كانت الأغنية تعبّر عن صور الواقع بمختلف مناحي الحياة ومجالاتها المتعددة، وكانت تستمد موضوعاتها من عدسة الشاعر، الذي يصور حياة العامل والفلاح والمهندس والمهن الاخرى في المصانع والحقول.. فظهرت أغاني العمل، التي بالاضافة إلى قيمتها الفنية، فهي محفزة إلى العمل والاعتزاز بقيمة ما يقدمه العامل لخير المجتمع والوطن. عندما كانت الارض تجود بخيراتها وبركتها على البلد، وكانت المصانع والمعامل تفتح ابوابها للسواعد السمر فتنتج السلع والمنتجات الوطنية، قبل أن نتحول إلى بلد ريعي مستهلك يعيش على بيع النفط ونستورد حاجاتنا من دول الجوار.

فكنا نسمع أغاني العمل مثل "ياعشقنا " للثنائي فؤاد سالم وشوقية العطار، التي قدمت في أوبريت "بيادر خير" من الحان حميد البصري، واغنية " خذني الشوق بجناحه " للمطربة نهلة من كلمات جودت التميمي والحان صباح زيارة، واغنية "غنوا معي قولوا معي يحيا العمل"، وهي أغنية مخصصة للاطفال من برنامج "افتح يا سمسم ".. وكانت أغاني العمل تنفتح على المهن الأخرى،  مثل أغنية "كلنا نحب شرطي المرور"، واغنية " محبوبي الغالي طيار" للمطربة تمام ابراهيم، وكانت الساحة الغنائية العراقية تتجاوب ذوقيا مع الساحة العربية في بث أغاني العمل وتتفاعل معها بحب والتذاذ مثل "انا فلاح وابويه فلاح جدي وجد جدي فلاح"، وأغنية "فلاح كان فايت بيغني " للمطربة شريفة فاضل، واغنية "صيدلي يا صيدلي " للمطرب البناني عازار حبيب، واغنية "عمال بلدنا " للملحن سيد مكاوي، الذي كانت له حصة كبيرة من أغاني العمل.. وغيرها من الاغاني التي تجعل العامل يحتفي بالمهنة التي ينتمي غليها 

ويزاولها.

وللأمانة التاريخية أن قصب السبق يحسب للشيوعيين في اجتراح أغاني العمل وكان لهم النصيب الاوفر في هذا المجال والأكثر رسوخا في وجدان وذاكرة الابداع العراقي. كون أغنية العمل تتسق مع أهداف الحزب الشيوعي في إلغاء الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفع الحيف عن العامل والفلاح. فظهرت أغاني مثل " عمي يا ابو جاكوج" واغنية "عمال نطلع الصبح "، وهما من كلمات الشاعر كاظم السعدي والحان جعفر حسن اللذين كونا ثنائيا ابداعيا، انتج العديد من أغاني العمل الحالمة بغدٍ أجمل لهذه الشغيلة الكادحة.

وهنا لا بد من التوقف عند الملحن طالب غالي، الذي عبر عن آمال واحلام العمال بأوسع تعبير وانصع ابداع وبشجاعة وتحدي لسلطة نظام البعث، عندما لحن أوبريت "المطرقة"، الذي كتبه الشاعر علي العضب وأخرجه مسرحيا قصي البصري، وعرض في بغداد بالعام 1970 بقاعة الخلد، وأحدث في وقته ضجة سياسية، الأمر الذي جعل السلطات البعثية توقف العرض، وكان يؤدي دور البطولة الفنان فؤاد سالم.