مختصر تأريخ علم الاقتصاد

ثقافة 2023/05/10
...

   تأليف: نايل كشتيني

   ترجمة: نصير فليح

     يحاول المؤلف في هذا الكتاب كسر جفاف الكتابة في علم الاقتصاد عن طريق ربط النظريات بالمشاهدات والأحداث الملموسة الحية المتصلة بحياة الانسان ومعيشته، وعن طريق تقديم الأفكار النظرية بصورة ميسرة، وربط الأفكار والنظريات الاقتصادية عبر التأريخ بالأحداث والظروف التأريخية وبالحياة المباشرة لرواد ومفكري علم الاقتصاد. فموضوع علم الاقتصاد بذاته ينزع الى الجفاف النظري عادة. 

بيد أن المؤلف حرص على بيان أن الظروف المعيشية الملموسة، التي يعيشها البشر الآن وفي الماضي التي هي في صلب حياة الانسان، هي في صلب موضوع علم الاقتصاد. 

وبالتالي جاء الفصل الأول من الكتاب بعنوان "رؤوس باردة وقلوب دافئة"، وهي مقولة لأحد علماء الاقتصاد تبين أن عليهم التحلي بالدقة الموضوعية في التحليل العقلي، وبالتعاطف الانساني المرتبط بمعيشة الناس وظروف حياتهم الاقتصادية كذلك.

الكتاب من منشورات جامعة (ييل) Yale وصدرت طبعته الورقية الأولى بالإنكليزية عام 2018، وهو من سلسلة "مختصر تأريخ" A Little History التي تصدرها الجامعة وتتناول مواضيع شتى، وتعكف دار (الكتب العلمية) ودار (معنى) على ترجمة إعداد هذه السلسلة تباعا. ويتضمن الكتاب أربعين فصلًا تغطي أهم الأفكار والنظريات في علم الاقتصاد على امتداد ما يزيد عن ألفي عام. أما مؤلف الكتاب (نايَل كِشْتيني) Niall Kishtainy فهو مستشار سابق للسياسة الاقتصادية لحكومة المملكة المتحدة وللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأفريقيا. وهو أستاذ زائر في قسم التأريخ الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد، ومؤلف "كتاب علم الاقتصاد" و"علم الاقتصاد في دقائق". وعمل مستشارا اقتصاديا لوكالات التنمية في إثيوبيا وألبانيا والأراضي الفلسطينية. وتُرجم كتابه "مختصر تأريخ علم الاقتصاد"

 A Little History of Economics إلى أكثر من عشرين لغة.

يضع المؤلف للفصول عناوين واستهلالات تبتعد عن النمطية وتسعى إلى التشويق والحيوية قبل الدخول في صلب هذه الفكرة أو النظرية الاقتصادية أو تلك. كما سعى إلى الموضوعية بالقدر الممكن الذي يتيحه له منظوره، فلا توجد موضوعية يمكن القول عنها إنها تامة، سواء في علم الاقتصاد أو سواه، خاصة أن علم الاقتصاد والنظريات الاقتصادية تتأثر بشدة بالجوانب السياسية والأيديولوجية. فما هو المقدار الملائم لتدخل الدولة في الاقتصاد؟ وما هي قدرة الأسواق الحرة في العالم الرأسمالي على تصويب نفسها وتخطي أزماتها؟ كل هذا وغيره كثير مواضيع رئيسة في عالمنا وماضينا ما زالت عظيمة الأهمية في عالمنا اليوم كما في الماضي. بل إن ما نراه من صراع القوى العالمية الكبرى الجاري الآن بين الأقطاب المهيمنة والأقطاب الصاعدة ما هو، في جانب كبير منه، إلا وجه من وجوه صراع المصالح الاقتصادية وما يرتبط بها من قيم 

ومعايير.

بالنسبة لي كمترجم واجهت بالطبع المشكلة الأكبر في ترجمة مواضيع من هذا النوع، وهي مشكلة ترجمة المصطلحات وتعريبها، وغياب التوحيد والتنسيق الكافي بين الجهات العلمية والترجمية المختلفة في العالم العربي بشأن هذه المشكلة المزمنة الكبيرة، بما في ذلك طبعا المصطلحات الاقتصادية. فلجأت الى منهجية معينة رأيت أنها الأفضل ونوهت بها في مستهل الكتاب بالقول: 

" ترجمة وتعريب المصطلحات من أكبر المشكلات في الترجمة الى العربية بما في ذلك في علم الاقتصاد. فهي تتضارب وتتباين ولا تتوحد حتى في المعاجم الاقتصادية. استخدمنا الترجمات الأكثر شيوعا وتداولا واستقرارا وملاءمة، كما وضعنا الأصل الإنكليزي أمام كل مصطلح ليتسنى للقارئ الاطلاع عليه أو المزيد من البحث عنه". 

مشكلة مهمة مزمنة أخرى في الترجمة، هي فوضى ترجمة أسماء العَلَم العالمية ولفظها وكتابتها في العربية، فبينت التالي في مستهل الكتاب بصددها: 

"كتبنا أسماء العَلَم - لا سيما المهم منها، خاصةً أسماء علماء الاقتصاد وباحثيه - باللفظ الأقرب الى اللفظ الأصلي قدر الإمكان، مع الإشارة الى الصيغةِ أو الصيغ التي تكتبُ بها هذه الأسماء عادة في العربية، لكي نتيح للقارئ لفظ الاسم بدقةٍ من جهة، وإمكان البحث في المصادر العربية إذا ما أراد ذلك من جهة أخرى. 

بعض الأسماء من قبيل (سقراط، افلاطون، أرسطو، أوغسطين) أبقيناها على صيغتها المتعارفة لاستقرارها على ذلك منذ أمد طويل رغم بُعد لفظها هذا عن الأصل سواء بالإنكليزية أو بلغاتها الأم. وهذا ما فعلناه أيضا مع أسماء أقلّ أهمية في سياق الكتاب. والحقيقة ان معظم أسماء العَلَم التي تُرجمت واستقرت في العربية بعيدة جدا عن لفظها الأصلي، وذلك لعدة أسباب، مثل ترجمتها خطأً واستقرارها على ذلك، ولعدمِ وجودِ بعض الحروف والأصوات أصلا في العربية، ولغياب التنسيق والتوحيد الكافيين بهذا الشأن بين الجهات الترجمية واللغوية المختلفة".

أما عن الإشادات العالمية بهذا الكتاب فنذكر منها التالي:

"تأريخ أنيق سهل القراءة جدا لعلم الاقتصاد، ومليء بالشعور الإنساني. ستتعلم منه الكثير – أنا تعلمت منه كثيرا" (تِم هارفرد، مؤلف كتاب "الفوضى" وكتاب "الباحث الاقتصادي السري"). "مقدمة عظيمة في علم الاقتصاد للمبتدئين. كتاب ممتع ذو جمل قصيرة ومع ذلك فهو عميق في شرح ما ساهم به باحثو الاقتصاد في فهمنا للعالم" (روبرت ج. شلر الحائز على جائزة نوبل في علم الاقتصاد). "هذا الكتاب كنز دفين ثمين لكل من يهتم بالتأريخ والأفكار الكبيرة، والدور الذي لعبه الفكر الاقتصادي في كليهما على امتداد أكثر من ألفي عام" (تشارلز ويلان مؤلف كتاب "الاقتصاد العاري").