هرم القوة بين المرأة والرجل في مسلسل العربجي

ثقافة 2023/05/10
...

ضحى عبدالرؤوف المل



يُشكل الصراع المتناقض في كيانه بين الشخصيات في مسلسل “العربجي” متانة درامية ذات دوافع يترتب عليها قوة البقاء، برغم أنه يتعارض بين المرأة والرجل في زمن قديم أو زمن الحكم العثماني في أوله، أقلها بين عائلتين الجوخدار والنشواتي أو بين الرجل والمرأة تحديداً، وهما سلوم حداد في دور أبو حمزة والممثلة القديرة نادين خوري في دور الخانوم، وهي درية بعيدا عن الصراع البيولوجي الذي وصل فيه الإنسان إلى ما وصل إليه في كل عصر، وحقق بفضله القوة الدافعة للبقاء بمعنى أزلية التنافس بين المرأة والرجل، كما ينبغي .
فالصراع المثير للتساؤلات في السرد الدرامي الذي يصعب فيه الإختلالات الوظيفية في الشخصيات الإنقلابية منها مثل الداية بدور التي تلعب دورها الممثلة (ديمة قندلفت) ، وهي امرأة تسعى إلى تحقيق الثروة والسلطة من خلال الزواج بنوري ابن الخانوم ، لتكون في سباق وجودي معها تسعى من خلاله الى ابراز قوتها هو وجودي بالدرجة الأولى، فالنوع الاجتماعي يلعب دورا مهما في إبراز دور المرأة الفاعل في كفاحها البيولوجي دون تسخيف القيم الإنسانية بين حركتين أو زعامتين تتعارض بينهما حركتين داخليتين المرأة الخالية من العاطفة أو المسترجلة بالمعنى الأصح أو بمعنى آخر التي تحاول الأستقواء، والمحملة بقسوة والرجل الذي يحاول امتلاك ما ليس ملكه بينما العربجي هو قائد للعربات التي تجرها الخيل، وهو يمتلك من القوة الجسدية ما لم يملكها أحدا من حارة النشواتية التي يتم فيها الصراع الأساسي وهي الساحة الواسعة كمسرح تجري عليه الملحمة، فالعربجي رغم قوته وبطشه أحيانا إلا أنه يميل إلى التصوف أو حركة الدراويش التي كان معروفة في ذلك العصر الذي يتسم بالتقاليد التركية أو الأحرى الوجود التركي آنذاك، وبأسلوب فنتازي غير محدد زمانيا رغم ما ينطوي عليه المسلسل من تحليل تاريخي لصورة المرأة وقوتها ومكانتها للدلالة على قيمتها الانسانية بغض النظر عن حساسية وجودها في عالم الصراعات الذكورية.  وضمن سياقات محددة حتى بالنسبة للصدر الأعظم وما تشكله الخانوم أو المرأة برمتها، وعلاقات القوة التي تتمثل في سلطتها   . فهل مفهوم الجندر في مسلسل العربجي برز مع الخانوم وبدور والطرق الخاصة التي اتبعتها كل منهما في تحقيق الوصول للنفوذ؟ أم أن فهم طبيعة العلاقات الاجتماعية آنذاك تشير إلى التخلف الذي نعاني منه في العصر الحديث الحالي؟ وهل تراجعت سلطة المرأة العربية في مجتمع حقق التحرر من الاحتلالات بمختلفها تركي او فرنسي أو سواه؟

إن هرم القوة بين المرأة والرجل في مسلسل العربجي وظواهره التاريخية يتمثل بين ثلاثيات منها شخصية الخانوم التي تقوم بدورها الممثلة نادين خوري وسلوم حداد وهو حمزة الحنواتي . أما باسم ياخور فهو العربجي والمرأة الأخرى وهي الممثلة ديمة قندلفت التي تقوم بدورها الممثلة بدور الداية الفقيرة الخارجة من بيئة مختلفة ، فالمثلث الأول نادين خوري مع سلوم حداد وباسم ياخور والمثلث الثاني ديمة قندلفت وسلوم حداد وباسم ياخور. فالمثلثات ترتكز على ثلاثية النقاط ضمن حبكة قوية تضمنت مسارات الشخصية المرتبطة ببعضها ضمن فكرة الصراعات الإجتماعية المتجددة زمنيا في كل عصر. فالمؤلف عثمان جحا ومؤيد النابلسي انسجما مع هذه الثنائية بين المثثين،  لنشعر أن كل فئة إجتماعية تشكل نوعا من الإرتباط بفضلها استمتعنا بفلسفة القوة وإثبات الذات ، لتسليط الضوء على دور المرأة في تلك المجتمعات القديمة وعلى أنواع من التعالي والعنف بين العائلات الشامية تحديداً اعتمادا على السياق التاريخي وإن بشكل فنتازي ممتع أخرجنا من اللباس المتعارف عليه كلباس الداية بدور الشبيه بالغجريات ، وإن تلاءم مع لباس المحظيات التركيات وفقا لمزاجية فنية تستجيب للموسيقى  وعناصرها السمعية المتوافقة مع الحوارات والتشكيلة الدرامية في كل مشهد من مشاهد أخرجها سيف الدين السبيعي بأسلوب تصويري يحاكي الحوارات مركزا على الوجوه حينا، وحينا آخر على ردات فعل المحيط من ناحية درامية تتزامن مع الفضاء الخيالي لذلك الزمن . فهل مارس الكاتب والمخرج في مسلسل العربجي نوعا من التناقضات التي تم الكشف عنها بين الأخوة أو ابناء بدرية خانوم وبين نظرة المرأة للصراع التنافسي بينها وبين الرجل الذي يفقدها عاطفة الأمومة ، وهذا شهدناه كثيرا في القصص التاريخية ؟ وهل الحرية الدرامية التي يسمح بها الإبداع الفني نجحت في مسلسل العربجي من حيث إبراز قوة العنف والتمرد الممكن بين الأبناء والأهل أو الأحرى بين الأبناء والأم أو الأب المتسلط والأناني؟ أم هي شكسبيريات تتكرر على المسرح الدرامي الذي يستقطب الأذواق؟

خلافات عائلية بشكل فنتازي تم تقديمها بشكل درامي فنتازي تاريخي ممتع حتى موسيقيا لدرجة أن موسيقى المسلسل باتت بصمة سمعية تمثل نوعا من الجمالية النسوية التي استمتعت بها الداية بدور أو في المقلب الآخر الخانوم بلباسها الخاص وسبحتها الطويلة وحتى عبدو العربجي بقوته ولباسه ، فالآفاق المخيفة عند استقواء المرأة هي قتل ابنها أو قتل الأب لأبنه فالدموية في المسلسل أثارت مأساوية أكثر تعقيداً من التنافس السياسي أو حتى الأسري المُصغر الذي يرمز إلى الدائرة الأكبر في الحياة . فهل التقلبات التاريخية في مسلسل العربجي ترمز إلى دور المرأة البارز في العصور القديمة ؟ وهل نظرية الأسرة وخلافاتها تعيد نفسها دراميا في كل زمان ومكان ؟ أم هي حكاية فنتازية ذات طابع تاريخي تمثل سلطة المرأة وجبروتها عندما تتنافس مع الرجل؟ وهل نجحت موسيقى مسلسل العربجي في خلق بصمة سمعية درامية أصبحت محفورة في الأذهان ؟