لماذا يحمّل المثقف العراقي الدولة مسؤوليَّة إعانته؟

ثقافة 2023/05/14
...

 بغداد: نوارة محمد 

المثقفون المستقلون الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة الأزمة في عراق ما بعد 2003 لديهم رغبة دائمة في الحصول على الرعاية الحكوميَّة، وأن تنظم الدولة أنشطتهم وفعالياتهم الثقافية، وتمنحهم الرواتب، أسوة بما كانت تفعله الدولة الدكتاتورية. ويكشف التصدع الثقافي والسياسي الذي تعانيه البلاد حجم المعاناة التي تواجه المثقف. من هنا تتساءل “الصباح” اليوم لماذا يحمل المثقف العراقي الدولة مسؤولية إعانته؟

يرى الكاتب والناقد جمال العتابي أن الثقافة الحقيقية تبتعد عن آليات التدجين وعن السياسات الحكومية وانظمتها. لكن إصرار الدولة على استخدام الثقافة والمثقفين لتسويق أيديولوجيتها وإضفاء الشرعية على سلطتها، يقف عقبة بوجه بيئة ثقافية حُرة.

ويتابع “كي تحافظ الثقافة على ماهيتها الحقيقيّة، وتبتعد عن آليات التدجين، ينبغي أن تحافظ على مسافة كافية بينها وبين الحكومة، فالثقافة لا يمكن أن تنمو في رحم المؤسسات الحكومية، وجزء من بيئة ثقافية حرة هو الحصول على الحماية الكافية واستحقاق الرعاية التي تقدمها الدولة لمواطنيها، وحين تكون الدولة قاصرة في تقديم الخدمات لابنائها، فتلك أزمة حقيقية تترك آثارها السلبية على الجميع من جهة والنخبة الثقافية من جهة أخرى”.     

ويبين أيضا “وبرغم أن شريحة المثقفين كونهم خارج سياقات التوصيف التقليدية للعاملين في مجالات أخرى، فان دعم المبدع ورعاية المثقف معنوياً ومادياً ما زالت الحلقة الأضعف مقارنة بغيرها، وهذا الأمر ليس صعباً على دولة تفكر بعمقها الحضاري والثقافي”. 

ويعتقد العتابي أن السبيل الأمثل لرعاية المثقف ينبغي أن يكون بدوافع انسانية نبيلة، بلا عودة لعهد(المكرمات).

فالمثقف بحاجة لقوانين تدعم نتاجه الادبي، وحماية افكاره، فضلاً عن قوانين تفرغ لذوي المشروعات الثقافية بما يخدم الوطن، ومراجعة أفكار على شاكلة صندوق دعم الادباء، تتبناه جهات حكومية عدّة تأتي في مقدمتها الرعاية الصحية والاجتماعية، الى جانب تأمين تسهيل العمل الثقافي المنتج، والنظر بجدية لقانون تفرغ المثقف والمبدع، وتخصيص بعض الريع للفعاليات الثقافية ودعم الأديب مادياً.

يصف غيره من المثقفين الدافع الذي أدى بالكُتاب والنخبة المثقفة الى المطالبة برعاية الدولة هو وجود عجز في الأنظمة التي يجب ان توفر رعاياتها بغض النظر عن التصنيفات الوظيفيّة، عن ذلك يتحدث الشاعر والكاتب عبد الرزاق الربيعي لـ “الصباح” قائلاً “هذه القضية تؤشّر وجود خلل في النظام العام، فلا وجود لها في الدول المتقدّمة التي توفّر لمواطنيها الرعاية الصحية والاجتماعية الكاملة، وهي رعاية مكفولة من قبلها، وحال المثقف من حال أيّ مواطن، له ما له من حقوق، وعليه ما عليه من واجبات، والكلّ سواسية أمام القانون، فلا ميزة لشخص على آخر حتى لو كان عالما من علماءالذرة”.

يقول الربيعي إنّ “هذه التساؤلات تُثار في المجتعات التي تغيب فيها العدالة الاجتماعية، ولا يوجد قانون يحكم أفرادها، عندها يلجأ المثقف، في الحالات الاضطراريّة، للدولة لاعانته، كونه يعتبر قيامها بذلك من ضمن واجباتها نحو شخص يعدّ نفسه واجهة حضارية حقيقية لها، وهنا يمنح  الأنظمة الشموليّة فرصة، لتدجينه، وترويضه، فتجزل العطاء لمن يساير برامجها ويصبح (برغيّا) في ماكنتها، وتحرم المثقف الذي يخالف نهجها من (مكرماتها)، ويقودنا السؤال إلى الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة، وهي علاقة إشكالية، ففي الوقت الذي يرسم المثقف لنفسه صورة الخارج عن السرب، الذي لايهادن أيّ سلطة، سياسية، او اجتماعية، او دينية، ولا يمشي في ركاب أي منها، بل يقف مراقبا لها، مصحّحا المسارات الخاطئة، وطبعا نعني هنا، المثقف العضوي - حسب غرامشي- الذي لا يعيش منفصلا عن الناس وقضاياهم، لكن هذا المثقف، سرعان ما يرتمي بين احضانها ويرضع من ثديها، إذا أحسّ بالعطش”.

ويضيف أن “هذا المثقف لا يعوّل عليه، لأنّ من السهل على تلك الأنظمة ترويضه. في قصّته “النمور في اليوم العاشر” يقول الكاتب زكريا تامر على لسان مروّض النمور “إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي ـ مهنة الترويض ـ عليكم ألا تنسوا، في أي لحظة، أن معدة خصمكم هدفكم الأول. وسترون أنها مهمة صعبة وسهلة في آن واحد. انظروا الآن إلى هذا النمر: إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه. ولكنه سيتغير ويصبح وديعاً ومطيعاً كطفل صغير. فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام، وبين من لا يملكه. وتعلموا».

ويتابع “الحل ليس بأن تعين الدولة المثقّف، إن مرّ بأزمة، بل في أن تسنّ القوانين التي تحقّق العدالة الاجتماعية، عندها تعطي الدولة كلّ ذي حقّه، وتشمل برعايتها جميع المواطنين”. 

ويفسّر آخرون اهتمام الدولة بالثقافة ليس سوى انعكاس لقيمتها الحضارية وواجهتها بين دول العالم بحسب الكاتب خضير الزيدي الذي يقول “لماذا تحمّل الدولة مسؤولية اعانتك؟ ببساطة لأنها مسؤولة عن قيمة الثقافة وحدود السياسة وتنشيط الاقتصاد وكرامة الانسان، ولان المثقف في كل دوائر العالم رقما مهما في ادارة الكثير من الانشطة التي تحييها الدولة، فلا بد من اعانته والوقوف عند متطلباته لكن الحقيقة لم نجد اي تكريم او توفير لوسائل راحته، اية دولة في العالم لا بد ان تحتضن مثقفيها لان التاريخ الذي تعيشه مؤسساتها سيعيد توظيفه فنيا وثقافيا بإمكانيات ورؤية المثقفين، في الوطن العربي تختلف النظرة للأسف فلا تجد بابا مفتوحا من قبل الدولة ليتمكن المثقف من الدخول اليها نتحدث عن تلك الباب التي توفر له كرامة حينما يطرقها وتعيد اليه حقوقا مسلوبة حينما يطالب بها، من منا ينكر بأن المثقف واجهة لبلدان كثيرة فلولا الابداع الحقيقي ما عرفنا ادباء امريكا والغرب وروسيا مع ان المشكلة بعدم مساعدتهم والوقوف معهم ستكون متشابهة مع واقعنا العربي الا باستثناءات الجوائز التي تقدمها مؤسسات لها قيمتها الاعتبارية والمعنوية”.