أحلام باصورا تقابلات السرد والذاكرة

ثقافة 2023/05/14
...

  ريسان الخزعلي

  

(1)

هل/ باصورا/ و/ بصرياثا/ ما زالتا صندوقين لأسرار الحكايات وحاجات الحكايات..

- بصرياثا، باصورا، اشتقاقات القاص محمد خضير التاريخية والإبداعية، هي جذور تسمية متدافعة في الزمان والمكان، زمان ومكان مدينة البصرة في تحوّل مشهدي رؤيوي، من صورة مدينة إلى أحلام مدينة. في الصورة، يكون الزمن قد توقف، حيث الزبير ما زال عين الجمل الدامعة التي تجس منابت الشوك والعاقول، ويكون التشكيل الصوري صفحات وعي حسّي/ بصري، يشغلها التدرج اللوني/ الطيفي بثباته الفيزياوي.

وفي الاحلام تُستعاد الصوَّر بإطارٍ متعدد الأبعاد والأشكال، يحددهما تشابكات الوعي واللا وعي، استدراجاً حلميّاً (صحواً ومناماً) من دون تخطيطات اولية.


(2)

في/ أحلام باصورا/ الكتاب، حصل هذا الاستدراج ببراعة العارف، استدراج يتخطى صورة المدينة المرئية الثابتة في لحظة الكاميرا، إلى صورة المدينة غير المحسوسة إلّا في العين الباطنية، العين الثالثة التي لا يتوافر عليها إلّا مَن كان ليس كسواه (صرت مع مرور الليالي مشدوداً إلى هاجس الاستيقاظ وقت الفجر، واستذكار وقائع أحلام متناثرة، ارتضت بصعوبة، وسحبَها العقل منهكاً من غور فجرٍ عميق، كما يسحب عجلة ملأى بالأشلاء إلى باب اللحظة الحاضرة المتلاطمة بهواجس النهار المتلاشي).

وهكذا يكون التقابل بين وقت الفجر/ الصحو والفجر العميق/ التلاشي، تقابلاً زمنياً/ سردياً/ ذاكراتياً خارج مجرتنا، التي نألفها ونطمأن اليها احترازاً وتحسباً.

إنَّ العقل كان منهكاً بسحب عجلة الأشلاء (الأحلام المندثرة في الوراء واللا وراء)..، ومثل هذه الأحلام، هي التي شكّلت (باصورا مكاناً وأحلام باصورا رؤيا والحاشية توضيحا).

في أحلام باصورا، لم يكن النسق كما كان في بصرياثا حيث التتابع الزمني، بل إنَّ الشتات هو النسق (تجنيسات كتابية جديدة سبق وإن نُشرت في جريدة الصباح من دون رابط تتابعي)..، وما كان لهذا الشتات أن يكون نسقاً، لولا وعي تقابلات السرد المُجرَّب والذاكرة الغاطسة في الزمان والمكان، وجوداً وحفريات معرفة عميقة الأصول والفروع.


(3)

إنَّ (جرف) صعوبةً ما في أحلام باصورا يصد سيل التلقي والتذوق الفني/ الجمالي يعود إلى مخيالية عالية في التأسيس والتشكيل والبناء والدلالة (عناصر التوليد)..، فثمة لغة محاصرة أحياناً بمفردات مضت، وتنويعات إسلوبية يتقاطع فيها السردي استهلالاً مع الحكائي/ الذاكراتي ترسيخاً ، بحيث تتزاحم الحبكات المتنوعة، يطول ويقصر خيط شدّها خارج عقدة التشكيل، ويصعب الرسو على مستقر الدلالة بفعل هذا الاشتغال الزئبقي الساخن حيث التضاد التوصيفي (معدن وسائل)..، وهكذا هي أحلام باصورا عصيّة، صناديق مغلقة على سريّة لاتنمحي، مخطوطة بالزعفران..، غير أنَّ هذه الصناديق منجّمة، تُغري الأصابع والعيون على السواء، وتحلَّ لنا سرقتها لأنها (هوية الوجود الحر المطمئن)..، ولأنها (تفويض سردي مختوم بختم اللمحة الأبدية )..، اللمحة الذكية/ الأبدية الكامنة في رؤيا السروجي وحلم الصقر ومخطوطة الأب انستانس والشيوعي الأخير وحلقة جالينوس.

لقد نطق الرجل السرّي في الكتاب الأخير قبل الإعدام. 

ألم أقُل أنَّ أحلام باصورا: وعي تقابلات السرد والذاكرة واللمحة الذكية؟.