إطلالة على مشهد قصيدة النثر العراقية.. خصوصيتها وأثرها وعلاقتها بالنثر العربي القديم

ثقافة 2023/05/15
...

  استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 

لم ينته الجدل الشعري في العراق، فهو جدل يتفصد إلى نهايات غير معلومة بين الشعراء المختلفين والمنتمين في الكتابة شكلياً، جدل ينتج عن تنوع في الكتابة الشعرية وتزاحم في كمها، إلا أن الحديث عن قصيدة النثر وصراع الشعراء فيما يخص وجودها وأثرها وأهميتها وما يتسلق على ظهرها من طارئين يأخذ حيزاً كبيراً وواضحاً في مشهدنا الثقافي.  في ظل هذا الجدل أطلق طيور الأسئلة في فضاء مشهدنا عن قصيدة النثر العراقية وما قدمته، فأقول: هل امتلكت هذه القصيدة مع الشعراء فاضل العزاوي وسركون بولص وصلاح فائق وحسين مردان أثراً على شعراء قصيدة النثر في العالم العربي؟ ما رأيك بخصوصية قصيدة النثر العراقية؟ وهل خرجت على الأسس التي وضعتها سوزان برنار؟ هل المنجز من هذه القصيدة يضعه في الأهمية المناسبة ليكون حجراً أساساً في بناء شعرية عربية جديدة؟ ما رأيك بأثر واختلاف وأهمية تجارب الأجيال الشعرية في قصيدة النثر انطلاقاً من الستينين إلى ما بعد التغيير؟ بمَ تقيّمُ علاقة قصيدة النثر العراقية الآنية بالنثر العربي القديم ؟ ألا ترى معي أن تأسيس جماعة قصيدة الشعر في التسعينات كانت ردة فعل على شيوع قصيدة النثر؟ بحثت عن أجوبة لهذه الأسئلة في حضرة نخبة متميزة من نقادنا وشعرائنا عبر هذا الاستطلاع.

فن هائل ومستقل

الناقد والشاعر رحمن غركان يرى أن قصيدة النثر العراقية، قدمت في تجارب: فاضل العزاوي وسركون بولص وصلاح فائق وحسين مردان، رؤية فنية في الخلق الشعري الذي يثري لغة النثر الفني اللافت ذا الممكنات الشعرية الباعثة على الإدهاش.

وأضاف غركان بقوله:  تلك الممكنات التي اشتغل على ازدهاراتها طالب عبدالعزيز بوضوح مؤثر، وعمق أسلوبي دال ومائز. 

وألتفت لأجل الإضافة إليها: عمار المسعودي وعمر السراي وعلي فرحان، و آخرون بطرق  كانت تجربة المبدع تنزع لما يؤسس لخصوصيتها، ولاتعمل في منطقة تقارب سواها، لأن قصيدة النثر بخاصة فن هائل الممكنات، و جنس أدبي مستقل، يتعذر الإبداع فيه إلا في خلال أسلوب متميز، يدل على صاحبه، وينفرد فيه بخصائصه، ويضمر رؤية كشف مستقل، وخطابا جاريا في نهر مبدعه فقط ، وبمعزل عن هذا يقع أسير الشائع المألوف، ولهذا تتميز تجارب مبدعي قصيدة النثر العراقية بوضوح مآذن ذات أصوات متفردة، تدل ممكنات تجاربها على تفردها. 

ولا وصاية الآن لمقولات سوزان برنار على قصيدة النثر العراقية، ولا حضور، بأسباب من نزعات التميز لدى مبدعيها الذين يؤسسون لنصوصهم انطلاقا من رؤى فردية ينتمون إليها، فرادى لا جماعات،  وأعني هنا المآذن الأمهات، وليس المساجد فكل هذا الطين مسجد. 

وقال غركان أيضا: ولقصيدة النثر المعاصرة، العربية منها والعراقية مرجعيات منذ النشأة، كان النثر الصوفي في تراثنا العربي مرجعية رئيسة لـ (خيرالدين الأسدي) في مجموعته ( أغاني القبة ) قبل أكثر من ثمانين عاما، وكانت شعرية (والت وايتمان) مرجعية لـ (أمين  الريحاني) في (هتاف الأودية) قبل أكثر من مئة عام، وهكذا كان ( وليم بليك ) مرجعية لـ (جبران خليل جبران). 

وسان جون بيرس مرجعية لـ (أدونيس) الفاعل بين ظهرانينا الآن، وهكذا، فهناك مرجعية تراثية عربية، وأخرى غربية فرانكفونية معاصرة للسائد من قصيدة النثر العربية المعاصرة  ومنها العراقية، غير أن المبدعين الاستثنائيين من كتابها العراقيين بخاصة، لا مرجعية ظاهرة لهم من سوى أنفسهم، في رؤاها و تجاربها وما يتخلق فيهم إثرهما.

أما القول ب (قصيدة الشعر) فليس مقابلا لـ (قصيدة النثر) إنما هو نزعة إضافة لما يمثل الشعرية العربية الأم، واجتهادات إثراء خارج الساكن من تقاليدها، وهو ما تشهده (قصيدة الشطرين) في العالم العربي في الثلاثين سنة الاخيرة بخاصة، من ازدهارات في تجاربها الكثيرة جدا.. وستظل قصيدة الشطرين، وقصيد التفعيلة استجابة إبداعية شعرية لخصوصية اللغة العربية  وكيفيات خلق المعنى شعريا في خلالها بما يماهي الذائقة العربية فيما يميزها، أما قصيدة النثر فاستجابة إبداعية لفاعلية النثر العربي في الخلق والابتكار المنتميين لفنون النثر، لهذا فهي جنس إبداعي نثري نوعي وهي أعمق إضافة لثراء النثر الأدبي الحديث. 


قصيدة الموقف الجمالي والمعرفي 

الشاعر الدكتور كريم شغيدل أجاب عن تساؤلي عما قدمته قصيدة النثر العراقية للمشهد الثقافي العراقي قائلا: اعتقد جازماً أنها أصبحت هي المشهد الثقافي منذ منتصف الثمانينيات، هذا إذا كنت تقصد المشهد الثقافي الحقيقي وليس المشهد المقرون بالآلة الإعلامية للنظام، إذ بقي الشعر التقليدي أسير المنبرية الإعلامية التي تمثل آيدلوجيا السلطة بمفهومها الأوسع وليس نظام الحكم فقط، ولا تزال المعادلة بهذه الصورة، فقصيدة النثر هي قصيدة الموقف الجمالي والمعرفي التي تسعى لابتكار أنساقها بعيداً عن الأنساق والمهيمنات الآيدلوجية المتوارثة.

وعن سؤالي: هل امتلكت قصيدة النثر مع فاضل العزاوي وسركون بولص وصلاح فائق وحسين مردان أثراً على شعراء قصيدة النثر في العالم العربي؟

قال شغيدل مبينا: تجربة حسين مردان مختلفة عن البقية الذين ذكرتهم وهم ما سمي بجماعة كركوك، وهؤلاء ظهروا بالتزامن مع شيوع أنموذج رواد قصيدة التفعيلة التي أطلق عليها الشعر الحر وبالتزامن مع انطلاق تجربة مجلة شعر وشيوع تنظيرات أدونيس وأنسي الحاج المأخوذة عن سوزان برنار، لذلك كان أثرهم خفياً نوعاً ما وفاتراً لكن بمرور الزمن أصبحوا رموزاً لقصيدة النثر.

وقال أيضا: قصيدة النثر في التسعينيات غادرت ربما سمات التهويم والإيحاء والترميز واقتربت أكثر من الواقع بما فيه من مفارقات أو صور غرائبية جارحة أقرب إلى الأساطير والخرافات بسبب الجوع وتفشي اليأس والإحباط، وكان هناك ربما هامش للنشر أو تداول النصوص التي أحرجت المؤسسة الإعلامية للنظام، ومع ظهور نخبة من الشعراء الموهوبين ممن يتمسكون بالأسس التقليدية للقصيدة أصبحت الفرصة مؤاتية للمؤسسة أن تغذي ذلك الاتجاه وتدعمه وتتبناه لاستعادة سلطة الشعر الذي هو قرين السلطة على مر التاريخ، وقد ساعد على ذلك ظهور متطفلين على قصيدة النثر لا يكتبونها بوصفها موقفاً جمالياً ومعرفياً وإنما لمجرد الجهل بعلم العروض. 

وقد سألته عن رأيه بالمنجز من قصيدة الشعر وإمكانية أن يكون هذا المنجز في الأهمية لبناء شعرية جديدة؟

فقال: لا اعتقد بذلك لأن التجارب الشعرية العراقية والعربية تجاوزت هذا النمط منذ ستينيات القرن المنصرم.

ثم تحدث شغيدل عن خصوصية قصيدة النثر العراقية وعلاقتها بالأسس التي وضعتها سوزان برنار؟

وأثر واختلاف وأهمية أجيالها انطلاقاً من الستينيين إلى ما بعد التغيير؟

وعلاقة هذه القصيدة بالنثر العربي القديم فقال: بالمناسبة إن كتاب سوزان برنار لم يترجم كاملاً إلا في العام 2000 وما أشيع من مقولات بعضها ترجمة صريحة لبعض أجزاء الكتاب وبعضها آراء أطلقها بعض الشعراء العرب من دون الإشارة إليها. 

وربما يمكننا ايجازها بالتكثيف والوحدة العضوية والكتابة السطرية والمجانية، بعضها ينطبق وبعضها الآخر لا ينطبق على تجاربنا، فقد تنوعت أنماط الكتابة عراقياً وعربياً تحت مسمى قصيدة النثر، وغالبية الشعر ينتمي إلى مفهوم الشعر الحر المتحرر من الوزن والقافية في المفهوم الغربي، أما ما أطلق عليه خطأ بالشعر الحر فهو مقيد بالأوزان والقوافي المتناوبة ويصح القول عنه بإنه شعر تفعيلة.

أنا شخصياً أؤمن بالحقب الثقافية وليس بالتجييل العقدي للشعراء، هناك تجارب ولدت منطفئة وهناك تجارب تطورت، لكل مرحلة أهميتها وخصوصيتها، لكن المرحلة الأهم التي ما تزال مثيرة للجدل هي حقبة الثمانينيات بما انطوت عليه من جرأة في الاصطدام بما هو مقدس من الموروث شكلاً ومضموناً.

علاقة قصيدة النثر العراقية بالشعر السومري أكثر تجذراً من النثر العربي، كما أن الموروث الأدبي العربي يغلب عليه الشعري ولا يمكننا من التخلص مطلقاً من ذلك الموروث الراسخ في الذهنية الجمعية.


قصيدة الأسئلة الفلسفية 

الناقد زهير الجبوري يرى أن ثمة أثر كبير في فضاء الشعر العربي لشعراء قصيدة النثر فاضل العزاوي وسركون بولص وصلاح فائق وحسين مردان وغيرهم من شعراء كانت لهم تسميات مميزة انطوت على بيانات شعرية وتطبيقات نثرية غايرت المألوف في البناء والأداء الشعري، لافتا إلى أن ذلك جاء عن طريق عوامل متراكمة، أهمها ما كانت عليه الصراعات الفكرية أو بالأحرى (ديالكتيك) الحوار الثقافي، ثم النقلات الكبيرة في العالم الغربي والعربي معا.

وأضاف الجبوري موضحا: هنا أعني التطورات الصناعية والكشوفات العلمية الأخرى التي أسهمت بشكل أو بآخر في جعل النص الشعري يغور في ميادين الفكر أكثر منه في التركيبات اللغوية ومجازات البلاغة، وبالتالي أخذت قصيدة النثر تطرح أسئلة كأسئلة الفلسفة أولا، وأسئلة الأنساق الثقافية ثانيا، وهذا ما لم يدركه البعض من أن القصيدة النثرية ليست ايقاعا ونبرا بقدر ما هي قصيدة مصير وكشف حقيقة الواقع.

اما بخصوص بيان قصيدة شعر في مرحلة العقد التسعيني، أقول من وجهة نظري لا يوجد بيان يقوم على جدلية تدور في دائرة واحدة اسمها (قصيدة) و(شعر)، هي مجرد انتفاضة شبابية غير ناضجة في تلك الفترة، عبرت عن موقفها من المدّ الكبير لقصيدة النثر تجاه المرأة العجوز (القصيدة العمودية)، ولو تابعنا بدقة نجد أغلب شعراء البيان لم يؤثروا كثيرا في الساحة الشعرية العراقية، فأصبح لكل شاعر مشروعه الخاص، واستمرت قصيدة النثر بطريق لا يزاحمه أحد.

وقال ايضا: لماذا هذا التساؤل بحرف الأستفهام (هل) عن حجر اساس في الشعرية العربية الحديثة، بل هناك حجر اساس ممتد لعقود في الساحة العربية والعراقية، والدليل ما انتجته قصيدة النثر من مشاريع كثيرة على مستوى العناوين، منها على سبيل المثال (القصيدة اليومية) و(القصيدة المقطعية) و(القصيدة المنثورة) وغيرها، ولأن السؤال قائم في قصيدة النثر في كل الأزمان فقد أقيمت العديد من الملتقيات عنها سواء في الوطن العربي او في العراق وتحديدا في مدينة البصرة وكانت لنا مشاركات نقدية 

فيها.

قصيدة النثر العراقية عبر عقود مرّت بمراحل حساسة، فجيل الستينيات استنهض تطبيقها عبر ثقافة كلاسيكية وضوابط محسوبة، فكانت أكثر نضجا وأكثر تأثيرا، وهذا ما جعل حسين مردان يغور بقوة في نقد الواقع عبر (قصائد عارية)، ومثله فاضل العزاوي الذي يمتلك اسرار تكوينها عبر تمكنه من اللغة الأخرى ناهيك عن باقي الشعراء، فيما بعد اصبحت هذه القصيدة انعكاس معبر عن موقف آيديولوجي مثلما فعل الجيل الثمانيني، ثمّ موقف رافض مثلما فعل الجيل التسعيني، غير ان الجيل التسعيني كانت له جرأة الأبتكار في تشظي هندسية المقاطع من أجل ايصال معنى بعيدا عن الرقيب، وهنا تنتهي لعبة المغامرة في قصيدة النثر بعد العام 2023..

أثر سوزان برنار حاضر عند الشاعر العراقي، لأنه يعتبرها مرجعا، فيما بعد استطاع الشاعر العراقي أن يلامس جسد الواقع بلغة معاصرة استقل فيها بعض الشيء ..لا يوجد تقييم فني بين قصيدة النثر العراقية والنثر القديم، المسألة مرتبطة بحياة تشهد تحولات كبيرة منذ العصر الحديث مرورا بالحداثة وليست انتهاء لما بعد الحداثة، سابقا (قديما) كانت الكتابة تعبر عن منهج له ضوابط محسوبة، أما القصيدة الآن فهي قضية كبرى، موقف كبير لحياة العولمة وما نتج عنها من تشظيات مستمرة لحد الان، جعلت النص الشعري في معناه اشكالية كونية، انطوت على مشاريع فتحت أبوابا في الشعر والحياة معا.


الحساسية الجديدة 

الناقد عبد علي حسن أشار في إجابته إلى أن ظهور قصيدة النثر في البنية الثقافية العراقية في ستينيات القرن الماضي كان على نحو واضح ومؤثر، ولم يشكّل ظهورها صدمة ثقافية في الوسط العراقي بسبب ظهور محاولات التجريب والتحديث في قصيدة التفعيلة وشيوعها في حركة الشعر العراقي أولاً ولظهور تجارب الجيل الأول من شعراء قصيدة النثر التي تبنّت مشروعها مجلة (شعر) اللبنانية التي نشرت نصوص روادها الاوائل ثانيا،على حد قوله.

وأضاف حسن مؤكدا:  لذا فقد تمظهرت تجارب الشعراء العراقيين في قصيدة النثر عبر جماعة كركوك التي تمكنت من تجاوز محلية المدينة إلى الظهور اللافت للنظر لنصوص فاضل العزاوي وسركون بولص وجان دمو وسواهم، وشكّلوا مايمكن تسميتهم بالجيل الثاني لقصيدة النثر العربية بعد شعراء مجلة (شعر) التي اهتمت بتجارب العزاوي وسركون وصلاح فائق ونشرت نصوصهم التي شاعت في العديد من البلدان العربية، لذا لايمكن التغافل عن وجود تأثير لكتاب قصيدة النثر العراقية في التجارب اللاحقة لكتاب قصيدة النثر العربية، واحرزت تجاربهم مكانة مهمة في حركية قصيدة النثر العربية، فضلاً عن التأثير الذي أحدثته هذه الجماعة على الجيل القريب منها وهو جيل السبعينيات الذي عانىٰ من اتهامات الجيل الستيني بتبعية منجزهم الشعري لتجارب الستينين، وأزاء ذلك فقد اجتهد شعراء السبعينيات في تقديم  تجارب من الممكن تلمس اثر كتاب قصيدة النثر الستينية عليها، كما امتد هذا التأثير إلى الجيل اللاحق الثمانيني الذي أفرز  مجموعة مهمة من كتاب قصيدة النثر وما أن حلت التسعينيات من القرن الماضي حتىٰ ظهرت قصيدة النثر العراقية بمظهر الجدّة والفاعلية والإتساع، ويلاحظ أن كل الذين كتبوا قصيدة النثر العراقية قد دخلوا من منطقة الشعر فانسحبت تقاليد قصيدة التفعيلة التي ابتدأ مشوارهم الشعري منها وظهر تأثيرها الايقاعي منها بشكل خاص وشيوع بنية الانقطاع ونظام التسطير في جميع ما أنجزوه من قصائد نثر ، وبذلك فقد خرجوا من المنطقة والقواعد التي توصلت اليها سوزان برنار لكتابة قصيدة النثر ومنها نظام الفقرة والمجانية والتعبير الحر وتفجير طاقة النثر ليصل إلى مستوى الشعر. 

وقال حسن ايضا: كما أن شيوع وانتشار قصيدة النثر وتبني الصحافة الأدبية تجارب الشعراء قد حدا بعدد من الشعراء الشباب الذين وجدوا في مايعتمل في المشهد الشعري العراقي مايهدد هيبة ومكانة الشعر العربي الذي قام على نظام العمود الشعري فقدموا مشروعهم بما عرف بـ (قصيدة الشعر) مقابل (قصيدة النثر) في تسعينيات القرن الماضي وأصدروا كتاباً ينظر لتجربتهم هذه كما قدموا مهرجانات طرحوا عبرها مشروعهم هذا الذي لم يكتب له تلك الفاعلية التي راهنوا عليها بسبب -كما نراه - يتعلق بقواعد التجديد والتحديث إذ تناسوا أن الفيصل في أية عملية تحديثية أو تجديدية إنما تقع في الشكل الجديد الذي يستدعيه المتحول والصيرورة في الرؤية الفكرية والفنية وهو مالم تتمكن قصيدتهم هذه من تخليقها، وبذلك لم يتمكن مشروعهم هذا من أحداث الحساسية الجديدة كما أحدثته قصيدة النثر التي استمرت في صيرورتها المتتابعة والمتلاحقة حتى وقتنا الراهن علىٰ الرغم من عدم اكتمال ونضج عدد كبير من التجارب المطروحة بفعل ما تعانيه من بعض الأمراض منها على نحو مؤثر في قيمتها الفكرية والفنية كإغارتها على السرد المسهب واقتراب أكثرها من بنائية الخاطرة الجديدة وشيوع ٱليات وتقنيات فنون القول الشعرية، ولعل ماينشر في وسائل الاتصال الإلكترونية المعاصرة يعاني من الأمراض التي أشرنا إلىٰ بعضها مما يستدعي عدم استسهال النشر وتوفير مبدأ المسؤولية الفنية ووضوح الأهداف الفكرية وبضمنها توفير الرؤية بملامح تشير إلى قصيدة نثر مؤثرة حاليا وعلى نحو مستقبلي.