غالب المنصوري: الانتماء إلى الواقع والذات

ثقافة 2023/05/16
...

 زهير الجبوري 


تثيرنا دائماً تجربة التشكيلي العراقي غالب المنصوري، إذ تجربته لا تغامر ولا تقف في منطقة قلقة، إنما ثمّة استدراك واعٍ في طريقة رسمه، ومع تعدد الموضوعات التي شاهدنا ولمسنا العديد منها، نجد أن المنصوري يغور بعوالمه الجماليَّة وانثيالاته الموضوعيَّة، وقد أفاض لنفسه أن يعبر بين الفترة والأخرى على مزاج معين في الرسم والتخطيط فضلاً عن الموضوعات المتعددة. 

وهذا يحتاج الى تفاصيل دقيقة وواسعة على مستوى التحليل، غير أننا أمسكنا بوحدات الأداء التشكيلي عنده فلمسنا أن المنصوري مغرم بتفاصيل بيئته رغم إجادته الكبيرة في رسم لوحة بدلالات تجريديَّة حديثة؛ لذا أزعم أنه من فناني العراق الذين أتقنوا لعبة اللوحة وأسرارها، بعد العمر الفني الذي امتدَّ لأكثر من اربعة عقود ونص العقد.

أعمال الفنان غالب المنصوري معنية بالانتماء إلى الذات، وتكتسب ذلك عبر استعارة الأشياء من الواقع المليء بالعلامات والرموز والعتبات الناهضة لإقامة مشروع معين، فحين نمسك بلوحاته التي تعكس قراءته للبيئة المكانية تستنهض بعض التكوينات بوصفها الروح المعبرة، فكانت (الصحراء.. والخيمة.. والحصان.. ودلال القهوة.. وزي المرأة الشرقيَّة، وكذلك زي الرجل الشرقي، وغيرها من الأشياء الموصوفة بهكذا دلالة)، كل ذلك يمثل الانعكاس الحسِّي لـ (ذاتيَّة) الفنان، ومهما كانت ثقافته ودراسته الأكاديميَّة في الفن التشكيلي، إلا أنه يمضي بمشروعه لقراءة الواقع قراءة تشكيليَّة واعية.. 

بالمقابل نمسك بتجربة هذا الفنان لما قدمه من لوحات انطوت على موضوعة غاية الأهمية في الفن التشكيلي الحديث، وهي اللّوحات التجريديَّة المشبَّعة بتعبيريَّة عالية، وهنا استطاع أن يخلق جدلا كبيرا على صعيد الاختيار والتطبيق لمثل هكذا موضوعات، بمعنى أن اللعب بمنطقة ما هو حديث يعني اللعب بمستويات التفكير المجرد، أو بالأحرى بفلسفة الأداء والثيمة، ومن ثمّ اللون.

إنَّ إدراكه يمثل مرحلة حساسة في تطبيق هذا الجانب من موضوعة التجريد،بخاصة عندما تكون مهارة توظيف الألوان محسوبة وفاعلة ومؤثرة وقابلة للتلقي.

لا أدري إن شاطرني الرأي أحد حين أقول بأن ما قدمه الفنان المنصوري في لعبته اللونيَّة، هو تجربة تشظٍّ، أو هي تجربة تبحث عن (نبرة استعادية لسنوات الاستنزاف القسري) بحسب عاصم عبد الأمير، هذا التشاكل ولّدَ ملحمة تشكيليّضة/ لونيَّة/ عراقيَّة خاصة، فكانت الألوان الحارة والبارزة والضوئية والقانية، تقدم نفسها بوصفها مشروعا تكامليا، وبالفعل كانت لها شهية القبول والتلقي، فضلا عن إطعامها بثيمات بعض العبارات لتكوّن معادلاً موضوعيَّاً.

كثيرا ما تجذب الفنان محمولات الواقع، وهذا ديدنه منذ فترة ليست بالقصيرة، إذ كنت أزوره في مشغله قبل أكثر من عقدين، أراه في دأب مستمر في العمل الفني التشكيلي عبر تركيباته اللونيَّة وتفاعله في إكمال مشروع معين، وبالفعل قدّم خلالها تجارب كانت واضحة وملموسة أمامنا من خلال المعارض الشخصية التي قدمها والأخرى الجماعيَّة التي شارك فيها.