نهاية صامتة لحياة صاخبة

ثقافة 2023/05/17
...

محمد جبير


مضت أيّام على أربعينية الكاتب المجدّد عبد الرحمن مجيد الربيعي، رحل بصمت في بيته بعيدًا عن صخب المجتمع الثقافي الذي عاشه في العواصم العربية، باثّا حضوره الإبداعي والشخصي في مختلف الأشكال، وصانعًا لتأريخه الخاصّ.


إذ لا يمكن  للنقدية العربية أن تتجاوز منجز الكاتب الذي كان معتدًّا بنفسه وإبداعه، ويدافع عنه بشراسة المقاتل لإثبات حقّه في الوجود الإبداعي، فقد كان فارسًا في الإبداعي، وفارسًا في الحياة، عاش حياته كما يرغب، وليس كما كان يراد له أن يكون، وإن تماهى مع الآخر المهيمن لوهلة من الزمن، إلّا أنّه يعود لينتفض على تماهيه من أجل أن يكون هو وليس آخر منفصلًا عن ذاته، يتّضح ذلك جليًّا من خلال سردياته القصصية والروائية التي تلتقط شذرات من تجربته الحياتية، وهو لا يخفي اعتداده بنفسه وبمنجزه كما هو واضح في مقدمته لكتابه القصصي الأول (السيف والسفينة /1966)، إذ يقول “هذا أنا وهذه قصصي”، أو “كنت زائدًا، أحني رأسي أمام هزائمي، ولا أصافح الأيدي ولا الوجوه الأخرى” ، لكن في كلّ ما تقدم لا يخلو الكاتب من الطموح والرغبة في أن يكون هذا “الزائد” علامة من علامات السرد العراقي، “كم حاولت أن أعلن براءتي، وأنفلت من عبد الرحمن الذي يغتالني باستمرار – هذا الطموح –المجنون الذي يعربد في الحانات ويتحدّث عن فشله العاطفي المرير”.1

ولن يبتعد الربيعي في مقدّمته تلك عن تأشير واقعه وتأكيد متبنياته السردية، إذ يقول “في زمن السقوط هذا حيث تلهث الصدور دون أن تجد الوقت لتسترد أنفاسها وتنزف القلوب المغلوبة المنحدرة من آبار الفقر والتشرد، لتصنع زيف القلّة المتبرجزين الجوف.. أريد أن أبدأ من هؤلاء ومعهم” 2.

حين جهّز مجموعته الثانية (الظل في الرأس/ 1968) اختار التكرلي ليكتب التقديم التعريفي لكتابه الثاني، ومن بين الإشارات التي بثّها التكرلي في المقدّمة التي أدرجها تحت عنوان (مدخل إلى قصص المجموعة)، إذ قال: “إنّ المؤلف يهمّه كثيرًا أن يرفض فكرة – في البدء كان الواقع – كي يبدأ وينتهي بآخر، هو عاطفة حبّ رخيص، اندفاع عابث غير مفهوم نحو شخص ما، أو للاكتراث المطلق، أو ذكرى ماض حزين...إلخ” 3”

لكنّ الربيعي في الطبعة الثانية رفع هذه المقدّمة، لأنّها لم تجد هواء يرطّب القلب، ويحرّك غصن الزهرة لتفوح عطرًا. فهو منذ البداية لم يختر لنفسه “ مهمة التعليب في ثياب الذين سبقوني ، أردت أن أقول كلمتي على طريقتي الخاصة “6.

وعلى الرغم من اعتداده بنفسه ونصه كما اتضح ذلك في مقدمة مجموعته القصصية الأولى يعود بعد سبع سنوات إلى توصيف تلك التجارب بالوصف الآتي: “ البدايات الأولى كانت وليدة مراهقة فنية وفكرية إلى حد ما وكنت لا أعي تماما دوري وفني “7. ويؤكد أيضا بشأن تطور الخط البياني أنه “ بدأ بمحاولات خليطة من التعبيرية والسريالية والترميز وانتهى إلى ما أسميه بالواقعية الجديدة التي بانت ملامحها في مجموعتي القصصية الرابعة المواسم الأخرى “8. إلا أن جهاد فاضل على الرغم مما قاله الربيعي يؤشر الآتي “ الربيعي في تجديده لا يتوخى الاغراب أو الإبهار، إن غايته كما يلوح في كتاباته القصصية أن يظل في منطقة الفن لا في أي منطقة سواها، وهو يميل إلى التجريب، لكن تجريبيته ليست مقصودة لذاتها بل للبحث عن أداة فنية أنسب للتعبير وأقدر على أداء ما يريد أن يقوله الفن “9.

الهوامش :

/ 1عبد الرحمن الربيعي / السيف والسفينة /ط1 – سنة 1966/ مطبعة الجاحظ – بغداد / المقدمة –ص3.

/ 2 م.ن. ص3.

/ 3 م.ن / ن.ص.

/ 4 م..ن/ ص5.

/ 5 فؤاد التكرلي /مقدمة مجموعة الظل في الرأس/ منشورات المكتبة العصرية – صيدا – بيروت / ط1 - 1968 / مدخل إلى قصص المجموعة /ص6.

/ 6 نجيب صالح / حوار نشر في ملحق جريدة الأنوار اللبنانية / ع3510 /عام 1970/ نقلا عن كتاب مدخل لتجربة عبد الرحمن الربيعي في 38 حوارا / تقديم ياسين رفاعية / دار النضال للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت / ط1 - 1984.

/ 7 جهاد فاضل / حوار مع الربيعي نشر في مجلة الطليعة السورية /ع344 لسنة 1973.

/ 8 جهاد فاضل / م.ن.

/ 9 جهاد فاضل / مقدمة كتاب عبد الرحمن مجيد الربيعي / دراسة في قصصه القصيرة / تجاوز العادي اصطفاف النموذجي / منشورات دار النضال للنشر والتوزيع / ط1- ت. بلا/ ص9.