صفقة القرن.. المطلوب من الأردن

آراء 2019/04/22
...

حازم مبيضين
 لم يتجاوز الحديث عن “صفقة القرن” حالة التسريبات بانتظار التاسع من نيسان مراعاة للانتخابات الإسرائيلية، لكن ما وصل من تسريبات يشير إلى مصيبة لن يخفف من وقعها الاعتراضات المصرية والأردنية التي يقال إنها خفّفت بعض البنود التي تلامس بقسوة الخطوط المصرية الحمراء، ومشروعية الوجود الأردني السياسية، خصوصاً مسألة تبادل الأراضي، ويبدو واضحاً أن زيارة الرئيس المصري إلى واشنطن تستهدف إبلاغه بالتفاصيل النهائية للصفقة، قبل إعلانها والشروع بتنفيذها. فيما تتواصل اللقاءات المصرية الأردنية، مع تواصل جولات كوشنير وبومبيو في المنطقة، وهما يعرضان تصوّرات شبه نهائية، لا تزال مرفوضة في عمان والقاهرة.أردنياً، بات واضحاً تعرض العاهل الأردني لضغوط شخصية كبيرة في شأن الصفقة، ما يعني أن ما اطّلع عليه خطير ولا يمكن تمريره بسهولة، ومباشرة، حيث تبقى مسألة تبادل الأراضي المطلوب وما ينتج عنها من تغييرات غير مضمونة العواقب. وتشير التسريبات الى أنه طُلب من الأردن توطين نحو مليون لاجئ فلسطيني على دفعات، تشمل الغزاويين، على أنْ يحصل مقابل ذلك على نحو 45 مليار دولار على صورة مشاريع ودفعات مالية تساعد في إحداث انفراجة في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها منذ أشهر. ولم يتضح بعد من أي دول سيكون تجنيس العدد المطلوب، وهل سيشمل ذلك الموجودين في الضفة والقدس المحتلتين والمهجرين في المملكة وخارجها، خاصة أن من بقوا في الأردن من غير المجنسين لا يتجاوزون 200 ألف فلسطيني.
يقال إنَّ الملك عبد الله اطلع على خرائط تضم التصور الجديد للأراضي الفلسطينية المحتلة، مع رأي يرجح إقامة كونفدرالية تجمع المملكة، والسلطة الفلسطينية، والإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة بعد ضمّ القدس إلى إسرائيل ووضع المستوطنات تحت السيطرة الإسرائيلية. طبيعي أن يعتبر العاهل الأردني ذلك تهديداً لاستقرار النظام الملكي، ولذلك يفضّل أن يكون بلده مشاركاً في الإشراف على المقدسات الدينية في القدس الشرقية دون الانغماس في تفاصيل أخرى مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وجدير بالذكر أن السفير الأميركي في إسرائيل، كشف عن ثلاثة محددات أساسية للصفقة، خلال كلمة أمام المؤتمر السنوي للجنة «آيباك» في واشنطن، وهي السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على الضفة، والوجود الأمني الإسرائيلي الدائم في منطقة الغور الأردن بين الضفة والأردن، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
أما مصرياً، فإنَّ الصفقة تتطلب تسهيلات مصرية في ما يتعلق بالوضع في الشيخ زويد ورفح والعريش أيضاً، لكن بدلاً من ضم هذه الأراضي إلى غزة لتوسيع حدود القطاع، وضمّ أجزاء من صحراء النقب إلى مصر، تضمنت المقترحات آليات عمل مشتركة في هذا النطاق من الحدود المصرية تضمن دخول الفلسطينيين إليها وخروجهم منها، وإقامة مشاريع صناعية لهم في هذا النطاق بقوانين مصرية تُقرَّر لاحقاً، مع إمكانية منحهم الجنسية وفق ضوابط محددة وميسرة. في المقابل، ستحصل القاهرة في حال تنفيذ ما هو مطلوب منها كاملاً على ما يقارب 65 مليار دولار أيضاً على صورة دفعات ومشاريع في منطقة شمال سيناء لاستيعاب العمالة المتوقعة. أما لبنان، فمن المقرر أن يكون جزءاً من الصفقة بما لا يتعارض مع التركيبة السكانية هناك بصيغة يجري التوافق عليها، فيما سيسمح بالتنسيق مع بعض الدول لاستيعاب أو توطين اللاجئين لديها من أجل إنهاء الملف كلياً، على قاعدة عدم مطالبة هؤلاء بالعودة إلى فلسطين المحتلة مستقبلاً.
واضح أن عمّان تتخوف من تأثير الخلل الديموغرافي على ميزان القوى في حال اعتبار الفلسطينيين أردنيين من أهل الدار لن يعودوا إلى بلادهم الأصلية، إذ حينها ستُفرض محاصصة مغايرة لما هو موجود اليوم، وما بين طموح فلسطينيين محسوبين على مراكز قوى فلسطينية موجودة في دول خليجية، وما بين هاجس الشرق أردنيين من خروجهم من المولد بلا حمص، لن تجد مؤسسة العرش قاعدة شعبية لحماية وجودها، أما على مستوى الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، فإنَّ الحيرة هي العنوان حيث يبحث الملك عن تحالفات تحافظ على إرث الهاشميين الضامن للعرش، وفي هذا الإطار، جاءت زيارته للمغرب لعقد تحالف مع وريث عائلة ملكية علوية، لكن حتى هذا الأخير لن يستطيع مساعدته ما دامت مملكة السعودية تمتلك فرصة سحب البساط من تحت الهاشميين، وكأنَّ الخلاف على الزعامة في الحجاز انبعث من جديد. واللافت أن فتح وحماس، يشددان على دعمهما الوصاية الهاشمية. وهذا أمر متوافق عليه مع الأردن الذي يدعم في العلن حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية حدودها الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس 
لشرقية.
وبعد، على رغم حساسية هذا الموضوع بالنسبة إلى الأردن إلا أن عمّان تواصل انتهاج أسلوب الكياسة الدبلوماسية. فقد كان بإمكان الأردن، ممارسة ضغوط أكبر على تل أبيب عبر استدعاء السفير، أو تجميد العمل باتفاقية الغاز السرية التي رفضها أخيراً مجلس النواب لكن هذه المسارات بالذات على انخفاض سقفها وعدم تجاوزها للبديهيات لا تزال السلطات تتجنب خوضها، مع أن الحالة الشعبية ستتفجر حينئذ إيجاباً، فيما ستكون صعبةً عودة الأمور إلى مجاريها مع إسرائيل التي لا يهمها أن تمارس الابتزاز حتى مع أقرب حلفائها في
 المنطقة.