صراع المتن والهامش في الثقافة العراقيَّة

ثقافة 2023/05/22
...

  استطلاع: صلاح حسن السيلاوي 

صراع المتن والهامش في الثقافة العراقيَّة، صراع طويل ومتوارث وله أسباب كثيرة. تصنع الطبقات السياسيَّة ما يمثلها في الشعر والسرد والفن فتجعله متناً لخطابها، وتختار الطبقات الدينيَّة متنها الذي تسعى لتسيّده على غيره، كما يلعب المستوى الثقافي للطبقات الحاكمة دوراً بارزاً في صنع أو اختيار متونها الثقافيَّة. نحن هنا أمام صراع متون وهوامش كثيرة تحاول إزاحة مثيلاتها. 

في ظل كل هذا، نعيش خلخلة ثقافيَّة نحتاج في سبيل الخلاص منها إلى وعي مؤسساتي وسياسي وديني كبير بذات المستوى من الفهم لأهمية وتأثير الثقافة وصناعتها وضرورة قيادتها للحياة الاجتماعية. 

إزاء ذلك أتساءل: بِمَ تقيّمُ المتن الثقافي العراقي وهامشه الآن؟ هل ترى أن المتن أخذ استحقاقه الفعلي، أم أنّه جاء نتيجةً لصراع الطبقات الدينيّة والسياسيّة والثقافيّة؟ أيمكن أن نصف هامشنا الثقافي بالكنز المضاع لما فيه من جهد يقدم في ظلال المؤسسات والتغييب الإعلامي؟ ماذا نحتاج من الدولة لننصف الهامش والمتن في الوقت نفسه؟، ما هي الماهية التي يمكن أن نضع من خلالها معياراً لمعرفة أهمية الهامش الذي يجب أن يكون متناً والمتن الذي يجب أن يكون هامشاً؟، أتظن أن المؤسسة الثقافية العراقية تعي أهمية ما يختنق من ضوء حتى يموت في الهامش، وما يتنفس من ظلام حتى يجلس على هامات المنابر في المتن؟ 


الهامش والمركز رؤية وصفيَّة

الشاعر الدكتور علي كاظم المصلاوي، تحدث عن الهامش والمركز بوصفهما ثنائية ديالكتيكية تجاذبية، مشيراً إلى تأثيرهما على الفرد والجماعة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا، كلٌّ بحسب موقعه من هذه الثنائية.

لافتا إلى اجتماع هذه المؤثرات على الأَدب وتحكمها به سلبا أو ايجابا قوَّة أو ضعفا.

وأضاف المصلاوي بقوله: السياسة تتدخل في الأَدب وتمارس سلطتها عليه لتنتفع من ورائه بإشباع رغبتها الثقافيّة حين تجيِّره في خدمة مصالحها والدعوة الى سياستها، ومن قبل كان الشاعر لسان السلطة والناطق الرسمي لها يؤيدها ويرغب في عطاياها وهي تؤثره وتقرِّبه لها كلَّما أمعن في الوفاء لها والإِشهار لها بالحمد والثناء عليه وعلى من ترتضيه، وبالعداوة والإِقصاء والقتل والتنكيل لمن يعاديها أو يعارضها بكلام أو بفعل، ولعل هذا الأَمر لم يختلف كثيرا في أَنساقنا الحديثة سوى أَنَّ المنظومات السلطوية أخذت تفرض سلطتها بشكل حضاري تقدُّمي عن طريق تقديم دعم مالي ووظيفي، فضلا عن تأمينها الصحي والاجتماعي وغيره وكذلك رعاية المهرجانات والمسابقات التي تستهوي الشعراء والأَدباء عموما؛ وتتعامل معهم أَو مع ثلَّة منهم بحذر كيما لا يقلبوا ظهر المجن عليها إِذا ما شعروا بخطر ما يهدِّدهم او يهدِّد مصالحهم او معتقداتهم او أي خلاف يأتي من قبلها.

أما السلطة الدينيّة فهي أكثر تعقيدا بخاصة إِذا فرضت وصايتها على نواحي المجتمع كافة، وإِذا ما تحكمت بالجانب السياسي فمن السهل أن تتحكم بالجوانب الأُخرى ومنها الأَدب فترفع وتقدِّم من تراه أو ما تراه وتأخِّر وتخفي ما تراه يتلاءم مع توجهاتها الدينية مستغلَّة نفوذها وهيمنتها الدينيَّة والعرفيَّة.

ومما لا شكَّ فيه انَّ هذه التجاذبات تلقي بظلالها على الأَدب فيعيش خلخلة الانتماء والهوية وليس من خلاص له سوى الخضوع أَو التمرُّد على سلطة المركز. 

أما الحياديَّة فتأتي ترقيعيَّة لحياة يعيشها الأَدباء عموما وغالبا ما بقوا عليها مرغمين.

وقال المصلاوي ايضا: لذا كان الهامش غنيَّا ومفيدا وفاعلا في كثير من الأَحايين، لأَنَّ ما ترغب به النفس لتسجِّل حضورها وخلودها عليه أكبر من أيِّ سلطة، والأَدب الذي يعايش تجارب الناس ويحمل همومهم وهواجسهم وأحلامهم وآمالهم ويسجِّلها فنيَّا وجماليَّا كان أقدر على البقاء والخلود في ظلِّ أيدولوجيات متعدِّدة جعلت من نفسها مركزا تفرض هيمنتها ووصايتها عليه وعلى جمهوره، وإِذا كان البقاء للأصلح وما ينفع الناس وما دونه زبد فإِنَّ هذا الأَدب سيكون هو المركز وما دونه هامشا وإن ظهر العكس.

ومن هنا علينا البحث والتقصِّي لمثل هذه النتاجات الإِنسانية ونعطيها حقَّها من الذيوع والشهرة ونتعامل معها على أَساس مركزيَّتها الإِنسانية.

ولربما تجاذبه أي الأَدب صراعات متعددة طبقيَّة من أكثر من مركز فيبقى هامشا لصراعها الطبقي ومركزَّيتها البغيضة.

إِن جعل الأَدب مؤسسة منفصلة لها سياستها الخاصة وبرنامجها الخاص بعيدا عن المؤثرات الايديولوجية والصراعات الطبقيَّة سيكفل له حريَّة وإنْ كانت مقيَّدة بعضَ الشيء لأَن يكون مركزا لقرارات لها حيِّز من الوجاهة والعمل والتأثير. ولكن ونحن في ظلِّ هذه الظروف من الصعب التنبؤ بسلامة هذا الرأَي وتنفيذه، فما زال كثير من المفكرين والأَدباء أكاديميين وغير أكاديميين لم ينتموا لأيِّ مؤسسة ترعى نتاجهم الفكري والأَدبي وما ذاك إلَّا من خوفهم بأنْ تجيَّر نتاجاتهم لصالح هذا المركز أو ذاك وأن يستغلُّوا لدعايتها، وتراهم يحاولون بجهودهم الذاتية أنْ يوصلوا نتاجاتهم ويخرجوها من هامش الظلام الى السطوع والإِشهار.  

وأجد الحلَّ المؤسساتي المتقدِّم في ظلِّ كلِّ هذه الصراعات والتجاذبات صعبا وعصيَّا، فكيف يمكن أَن نفصل الأَدب عن كلِّ المؤثرات التي تجعل منه في الغالب هامشا لها وفي الوقت نفسه هو ناتجها وانعكاس لما يعانيه في ظلِّها؟ 


الجمهور يصنع متونه أيضا

القاص أحمد محمد الموسوي يعتقد أنّ لا حدود ثابتة بين المتن والهامش، فقد يصير المتن هامشاً مرة، ويستحيل الهامش متناً في مرات أخرى، وذلك تبعاً لمستويات الوعي لدى الجمهور والظروف الحياتية للمجتمع المعني، على حد وصفه.

وأضاف الموسوي موضحا: رأينا كيف تحولت متون عديدة إلى هوامش أبان الحرب العراقية الإيرانية لتحتل مكانها هوامش كانت تحلم بالظهور في عقد السبعينات، وهذا ما ينطبق على مرحلة عقد التسعينات وما رسخته ظروف الحصار وكيف أنها قلبت الساعة الرمليَّة للمجتمع العراقي، ناهيك عما استجد في عراق ما بعد 2003 وما أشاعته ثقافة (الحواسم) التي صاغت متونها ورسمت هوامشها فوضى غياب القانون والسلاح المنفلت والحرب الطائفيَّة وما رافقها.

الثقافة وميادينها لم يكونا بعيدين عن هذا المشهد الملتبس، فكانت المتون والهوامش تتبادل الأدوار وتتحرك تبعاً للظروف المحيطة، وبدت في أحيان أن تلك الظروف تؤثر في الثقافة واتجاهاتها أكثر من تأثيرات الثقافة على تلك الظروف والحركة الاجتماعية بشكل عام، خصوصاً بعد ثورة المعلوماتية وتقنيات التواصل الاجتماعي التي أتاحت فرصاً متساوية هائلة ومجانية للظهور الإعلامي والوصول إلى الجمهور. 

ومثلما تصنع المتون جمهورها، كذلك يصنع الجمهور متونه... والحاكم في هذا هو قدرة الوصول والفرص المتاحة واتساع أو انحسار مساحة الحركة.. وقد يكون المتن في نظر فئة أو ذائقة ما هامشاً، والعكس وارد كذلك.. فمن يا ترى من حقه أن يحكم على المتن متناً وعلى الهامش هامشاً؟ وما هي المعايير في هذه العملية؟ هل يكون الحكم الفصل هو رأي الجمهور؟ أم أن النخبة المجتمعيَّة هي من يقرر ذلك؟ تلك أسئلة بحسب إجاباتها تصنف المجتمعات وترتسم مساراتها الحضاريَّة. 


المتن وأناه المتضخمة 

الدكتور نصير جابر يجد أن (المتن) الذي يظهرُ في الثقافة دائماً يحاول أن يبرز (أناه) المتضخمة مدعياً أنه الممثل الشرعي الوحيد  للثقافة الرسميَّة والحقيقيَّة بتمثلاتها كافة، مستعيناً بالسلطة التي  تسنده وتقمعُ من يشكّك بمصداقيته، بينما يدعي (الهامش)  -محاولا هو أيضا المزاحمة- أنّه هو المتن الحقيقي، فمن وجهة نظر القابع تحت ضغط التوصيف وإشكالاته (هامش- متن) المسألة  نسبيّة فمرّة يتحول: الهامش متنا.. والمتن هامشا.. لافتا إلى أن التوصيف متغيّر ما دام المُنتج له ينطلق من (ذاتيَّة) لا موضوعيَّة  والصراع طبيعي ودائم.

وأضاف جابر مبيّنا: بعد 2003 ظهر كم هائل من مرويات الهامش التي قُدِمت بأشكال قوليّة مختلفة: (روايات، مقالات، دراسات، تحليل وتاريخ.. أفكار)، وكان ظهورها بهذا الكم والكيف إيذانا ببدء مرحلة جديدة من إعادة تشكيل وجه الثقافة بعد عقود من تشويه هذا الوجه بثقافة الاستبداد والقمع التي استمرت منذ (1963-2003). هذا التشويه المتعمّد والممنهج طوال أربعة عقود أنتج معه (ثقافة) سطحيَّة خلقت بدورها قرّاء ومثقفين من ذوي الإعاقة الفكرية لطول ما طبلوا للقمع والقتل فضلا عن أن أغلبهم من دون مواهب حقيقية، بل مجرد مسوخ ثقافيّة رفعتها السلطة من أجل محاولة خائبة لترصين واجهتها الإعلاميّة ولكنها من حيث لا تشعر رسّخت فشلها لأنّها لم تسوّق للواجهة من هو قادر على  إقناع المتلقي بواقعية نتاجه أو طرحه، فضلاً عن أصالة هذا النتاج ومشروعيته الثقافيَّة. لذا كان الهامش (اليسار العراقي الشيوعي) لحظتئذٍ هو الممثل الشرعي للثقافة، وهو من يصدّر رموزه على الرغم من المنع والقمع المبالغ به.

وقال أيضا: المشكلة الآن أن الهامش يتعرّض لتشويه من نوع آخر بقصد زعزعة ركائزه وتحويله إلى وجهة أخرى عن طريق التشكيك بما يقدمه من وقائع كانت خافية لعهود عن العلن.. فهو متهم - أي الهامش- بأنّه يفتري ويبالغ ويلفّق عندما يتعلق الأمر بمظلوميته، لأنَّ الصراع على التسيّد الثقافي صار من خلال   (السوشل ميديا) وهي ذات طبيعة سوقية مبتذلة تسمح للسوقة أن يخلقوا رأيا مشوّها.

لكن الحقيقة أن الهامش كنز كبير وحقيقي، لكنه لم تتح له الفرصة أن يقدم بصورة مستقلة بعيداً عن الجرّ إلى حيز الأدلجة والتموضع المكاني. مع لحاظ أنّه الآن في اللحظة الثقافيَّة الراهنة هناك وعي مؤسساتي لأهمية الهامش بوصفه النتاج الأصدق والأبلغ والأدق.

وأخيرا.. إنَّ الآليَّة الوحيدة كما أظن التي من خلالها نضع معيارا لمعرفة الهامش الذي يستحق أن يكون متنا وبالعكس هي (تمثّل) ذلك المُنتج بأيِّ صورة من صوره لمشكلة الانسان الأزليَّة - بقدر تعلق الأمر بالهامش والمتن- وهي الإنصاف وعرض الحقائق بعيدا عن القمع الفكري. 


نافذة الذائقة على الظلام 

الشاعر أحمد الشطري يرى أنّ كل حالة صراع هي وليدة اختلافات فكرية وأيديولوجية وثقافية ونفعية، وهي حالة قد تبدو سلبية في الكثير من جوانبها، وخاصة تلك التي تسعى إلى إلغاء الآخر، أو إبراز الرديء طالما يحقق مصالح الجهة الراعية، مشيرا إلى أن ذلك الصراع لا يخلو من الإيجابية في بعض جوانبه، باعتباره حالة منتجة أو مساعدة على الإنتاج الثقافي أيّاً كان، والتي غالباً ما يتأخر ظهورها بعد أن يتكفل الزمن بفرز الرديء، على حد

تعبيره. وأضاف الشطري مبينا: من المؤكد أنّ كل جهة مهما كان نوعها تعمل وفق مبدأ المنفعة أو المردود المتحصّل مما تجعله متناً لأفكارها ومصالحها تحت ذرائع ومبررات مختلفة، قد تبدو في ظاهرها الخاص فعلا عقلائياً أو منطقياً، ولكنّها في مضمرها العام تكون حبلى بجنين مشوّه أو فرنكشتاينيٍّ يُطفئ الكثير من بقع الضوء التي تمنح الوطن إشراقة الوعي والجمال المرتجاة.

وفي ظل هذه النفعيات الضيقة لا يمكن أن يكون ثمة تميز لا للمتون المتنوعة ولا للهوامش المتنوعة أيضاً، فكلا الطرفين ستخبو شعلته كليّاً أو جزئيّاً في المدى المنظور أو ما بعده، وما يبقى هو الجزء الذي يمتلك المقومات الحقيقية، وبقاء هذا ليس لكونه متناً أو هامشاً عند هذه الجهة أو تلك، ولكن لغناه الذاتي. ومع ذلك فإن الضياعات وسط هذا التشظي ستكون فادحة بلا شك.

وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الحديثة قد كسرت الكثير من الحواجز التي تمنع الهامش من أن يكون متناً، ولكنها في ذات الوقت أوجدت الكثير من الظلمة في نافذة الذائقة المتلقية، وهذا ما أوجد طرفاً مضافاً وخادعاً في عملية صناعة الهوامش والمتون.  

ومما لا شك فيه أن الدولة في ظل غياب الحكم المؤسساتي أو تغييبه هي المسؤول الأول الذي يجب أن يسعى لتفتيت الحواجز المصطنعة بين المتون والهوامش، إذا ما أريد للبنية الثقافية أن تنمو وتشغل الحيز الفاعل في بناء المجتمع. ومثل هذا الأمر يتطلب وعياً فاعلاً ومسعىً جادّاً وواضحاً وليس شكليّاً وضبابياً في تهشيم جدران السبات المؤسساتي، لأنها الجهة الفاعلة القادرة على تنمية الإنتاج الثقافي ومنحه القوة الدافعة التي تمكنه من التسرّب في مسامات المجتمع. 


تقويض المركزيات 

الشاعر الدكتور لطيف القصاب، قال: لا أخفيك يا صديقي أنا من الذين يتخوفون من النظريات الفلسفية بنحو عام، والأدبية منها على وجه الخصوص، فقد ثبت عندي أنّ كثيرا منها إنما هي في الواقع مجرد أقنعة لوجوه آيديولوجية، خذ على سبيل المثال نظريتي البنيوية، والتفكيكية، وهما نظريتان ماتا في بلد المنشأ الأجنبي، ثم أعيدت لهما الحياة في بلداننا العربية لدواعٍ آيديولوجية، وقصتهما تطول، ولا أظنهما تخفى على حصيف مثلك.

 وبقدر ما يتعلق الأمر بفلسفة المتن، والهامش التي دعوتني للخوض في غمارها فلها، وفيها -من وجهة نظري- أكثر من مقاربة، لا سيما ما يتعلق بصلتها بالسلطات سياسية كانت أو دينية، أو اقتصادية، أو اجتماعية. فما تراه السلطة المعينة متنا سيراها الأتباع متنا، والعكس بالعكس، بمعنى أن الهامش يمكن أن يكون هامشيا يمارس دور الإقصاء الذي كان يئن تحت وطأته بوحي من السلطة السياسية أو سلطة البابا.. أو سلطة صندوق النقد الدولي.. أو سلطة رئيس العشيرة، وهكذا، ولا أخفيك أيضا أن هذه الفلسفة وإن بدت حديثة بفعل أرديتها المعاصرة، لكنها غائرة في القدم، ولا يسع المقام التفصيل في ما أعنيه هنا. 

وأضاف القصاب بقوله: في الثقافة العربية مثلا تسيّد الشعر على سائر الأجناس الأدبية لمدة قرون كما تعلم يا صديقي، ولكننا من جيل عاصر استبدال الشعر الشعبي بالفصيح، وبعدما كان ما يكتب بالعاميات مطرودا من الساحة الأدبية صار شعراء العامية هم المبرزون في الساحة الإعلامية، وجمهورهم هو الأكبر، والأكثف.

ومن مدة تجري محاولات استبدال الشعر بالرواية بصرف النظر عن حقيقة المقولة التي تنص بأن الشعر هو ديوان العرب، وهذه المحاولات أراها وقد أكون مخطئا محاولات مشبوهة، ومدعومة بأجندات ما؛ ليس لأني مغرم بالإيمان بنظرية المؤامرة بقدر ما هي قراءة واقعية للمشهد الأدبي بوصفي أكاديميا متخصصا بعلوم العربية وآدابها. ولا أستبعد تماشيا مع الطرح المتقدم أن تجري عملية متدرجة في إطار استبدال العاميّات العربية بالفصحى.

وعلى أول الكلام فإن خشيتي من فلسفة السعي لسيادة الهامش على متن ثقافتنا العربية تنبع من جملة دواعٍ منها تصريح سدنة هذه الفلسفة بمقولات من قبيل تقويض المركزيات، ولو دققت في ما يقصده هؤلاء من معنى المركزيات لوجدت أن أولها، وأجدرها بالتقويض هي المنظومة الدينيَّة، لا سيما المنظومة الدينيّة المرتبطة عضويا بالمنظومة القيميّة، كالإسلام، والمسيحيّة، واليهوديّة.