«بهارات» كاظم الحجاج.. ليست مستوردة من الهند

ثقافة 2023/05/22
...

 ريسان الخزعلي


(1)

البهارات، من مطيّبات الطعام التي يستخدمها العراقيون، ولكن ليس على الطريقة الهنديّة التي تحرق الفم والمعدة. 

والبهارات هذه، كانت وما تزال تُستورد من الهند والدول المجاورة لها من خلال موانئ البصرة. وفي بغداد تُباع البهارات في سوق الشورجة، السوق الرئيس في العاصمة لبيع البهارات والكثير من الحاجات الأخرى، ومن هذا السوق توزّع إلى أسواق مشابهة في المحافظات عدا البصرة. 

ولأنَّ البهارات مُطيّبات طعام، فلا يُمكن الاستغناء عنها. 

ونتيجة لهذه الطيبة الغذائيّة، فقد انعكست في القول الشفاهي بين الناس للمقارنة بين ما هو تذوّقي ونطْقي، حتى قالوا: «ينراد اتحط اشويّة ابهارات على كلامك». 

من هنا، كانت انتباهة الشاعر الكبير كاظم الحجاج واثقةً في تسمية مقالاته الصحفيّة التي نشرها في جريدة الأخبار بعد عام 2003 بـ /البهارات/ والتي صدرت بكتاب من اصدارات اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة بالعنوان ذاته، كي (يُطيّب) الكلام السياسي المتداوَل ببهارات تلذع اللسان والحنجرة وصولاً إلى المعدة (بس ايبيّن الجماعة ماخذين علاج قوي ضد 

البهارات).


(2)

كانت/ بهارات كاظم الحجاج/ تجيد الجهة التي تقصدها، وتلسعها لسعات حارّة وأخرى أكثر حرارة، كلام يقطر شعراً (لا تفعيلة ولا قصيدة نثر)..، كلام يستحضر المثل الشعبي والحكمة والنباهة الفطريّة والطُرفة.. الخ. إنه صوّر الحكايات الشعبيّة. وكل هذا يحصل بأسلوب شيّق، غايته الوصول إلى القرّاء على اختلاف مستوياتهم الثقافيّة والمعرفيّة.


(3)

من الحكايات الطريفة في هذه البهارات، والتي هي صورة لحكايات أخرى، حكاية جحا والأطفال: «يُروى أنَّ جحا كان يريد أن ينام القيلولة في ظهيرة قائظة، لكنَّ الأطفال كانوا يلعبون ويصرخون قرب نافذته، فخرج إليهم قائلاً: ماذا تفعلون هنا وفي بيت فلان يوزّعون الحلوى..؟فتراكض الأطفال إلى بيت فلان في آخر الحي، واستمرَّ التراكض حتى صار الكبار يركضون أيضاً ويصرخون: إنَّ بيت فلان يوزّع الحلوى!..، ولمّا رأى جحا تراكض الجميع واتجاههم صوب البيت المقصود، قال لنفسه: ربما كان الأمر صحيحاً يا جحا، وراح يركض مع الراكضين».

وبالعراقي، سريعاً جاء التعليق: «والله يا عمّي شبعنه ركض، بس مالكَينه البيت البيه حلويات». وبالعراقي أيضاً كان السؤال: «هوّه امنين كاظم الحجاج؟ 

ولما كان الجواب بأنه من البصرة، جاء التعليق: من هاي يعرف بالبهارات كلّش زين.. بس والله هاي ابهاراته أصليّه، ما مستوردَه امن الهند، ايصرطونهه صرط ولاچنهم».


(4)

بهارات كاظم الحجاج كانت صورة من صور الحكاية الشعبية الجديدة بدلالاتها الواقعية/ الرمزية التي تُصوّر سحرية الواقع العراقي، سياسيّاً واجتماعياً وسايكولوجياً، وتعكس فاعلية التراث الشعبي في تصوير تعارضات الحياة اليومية 

وتشكيل النفس البشريّة، لأنَّ في التراث بصورة عامة خيطاً حسّياً يربط تشابهاً ما بين زمنين، الماضي والحاضر، لعل الحسيّة هذه ستوقظ المستقبل لأن يكون الأنقى، وتلك هي دالّة ومدلول  (بهارات كاظم الحجاج) التي طمحت إلى تطييب الواقع العراقي، كما تفعل بهارات الطعام فعلها في مذاق 

الأكل.