ثنائيات فنيَّة غيَّرت وجه السينما الهنديَّة

ثقافة 2023/05/22
...

 حميدة العربي  

 

كانت السينما، ولفترة طويلة تعتمد على ثلاثة عناصر أساسية: الإنتاج والتوزيع والنجوم، لكن هذا لم يمنع العناصر الأخرى مثل أساليب الإخراج وكتابة السيناريو والمؤثرات الفنية المتنوعة، أن تلعب دوراً مؤثراً ومغيراً، جعل القائمين على السينما يتبنون الابتكارات الجديدة والطروحات المقترحة لرفع المستوى الفني والتقني وبالتالي زيادة الجذب والرواج. في السينما الهندية تعتبر الموسيقى والغناء أحد الأركان الأساسية في أي فيلم، ليس من أجل التسلية فقط وإنما للتعبير عن حالة عاطفية أو نفسية، بدل الحوار، أو إيصال رسالة رمزية أو فكرة معينة، إضافة إلى تقديم التراث الهندي الغني بالتنوع والاختلاف وعرض التقاليد والعادات للتعريف بماضي البلد وحاضره وأرشفة ذلك سينمائياً. لذا كان دور الموسيقيين والمغنين والشعراء ومن مختلف الاتجاهات الفنية، واضحاً وكبيراً. ورغم وجود ملحنين وموسيقيين كبار أمثال نوشاد علي ونايار وبورمان ورام چاندرا ومادان موهان إلا أن ظهور الثنائي الموسيقي شانكر و جايكيشان في العام 1949، شكل نقطة تحول في الموسيقى الهندية عامة، والأغنية السينمائية بشكل خاص، فقد أدخل هذا الثنائي، إيقاعات جديدة، ونغمات مبتكرة، وآلات موسيقية شرقية وغربية، ومزج بين المحلي والعالمي، مستفيداً من موسيقى الجاز والڤالس والروك أند رول وغيرها، وكان رائداً في ادخال الاوركسترا، كوسيلة للتعبير عن معاني الأغاني، وتعزيز المشاعر مع استعمال فواصل موسيقية مختلفة في الأغنية الواحدة، ما فتح آفاقاً جديدة في مجال الأغنية والموسيقى التصويرية معاً، مشكلاً انعطافة كبيرة، جعلت المنتجين والمخرجين يضعون تقاليد جديدة للتعامل مع الأغنية السينمائية، وبهذا ظهرت الأفلام الاستعراضية الخالصة. ورغم أنهما عملا، لفترة، كلاً على انفراد وله أسلوبه الخاص، لكن في أعمالهما المشتركة، التي أذهلت الجميع، تذوب الهوية الفردية، ويصبح من الصعب تحديد أسلوب أي منهما، حتى أن البعض يعتقد أنهما شخص واحد.

أطلق الموسيقار نوشاد على الثنائي صفة "الساحران" والجميع يناديه الزعماء، واشتهرت ألحانهما في مختلف أنحاء العالم، وتم تقديمها بلغات عديدة أشهرها: "ياللا ياللا"، و"آجا جا"، و"ياهوو"، و"سوكو سوكو"، فحصدا الكثير من الجوائز المحلية والعالمية، وكانت البداية مع راج كابور، الذي منح الثنائي أول فرصة لتقديم ألحانهما ووضعا الموسيقى التصويرية لفيلمه "بارسات"، فقدما له اكتشافهم الجديد لاتا منغشكر، التي ستصبح أشهر مغنية في شبه القارة لأكثر من سبعين عاماً، ومن أشهر الأفلام التي لحنوا أغنياتها ووضعوا لها الموسيقى التصويرية: صباغ الأحذية، المتشرد، السيد 420، نيو دلهي، زواج حب، سنگام، بروفيسور، تيسري منزل، مساءً في باريس، جنگلي، كشمير كي كالي، يهودي، انداز وغيرها، استمر الثنائي مهيمناً على الساحة الغنائية وظل الرقم الصعب، الذي أشعل المنافسة بين الملحنين والموسيقيين، والقاسم المشترك لأغلب الأفلام حتى بداية السبعينيات، حيث توقف برحيل جايكيشان المبكر، عام 1971. ورغم ظهور ثنائيات أخرى مثل لاكشمي كانت ـ بيار لال وغيرها والتي استفادت كثيراً من إرث السابقين وأكملت بالإيقاع المتصاعد نفسه. إلا أن الثنائي شانكر ـ جايكشيان يبقى الأكثر تميزاً والأقوى تأثيراً في الموسيقى والسينما الهندية. ويمكن تشبيه ظهوره بحضور الرحابنة في الأغنية العربية. 

أما كاتبا السيناريو، الممثل السابق سالم خان والشاعر جاڤيد أختر، المعروفان فنياً بالثنائي سالم ـ جاڤيد فقد أحدثا ثورة حقيقية في السينما الهندية في بداية السبعينيات باعتماد الضخامة في الإنتاج والأسلوب الغربي والمزيد من الحرية، ويعتبر الثنائي الرائد في ابتكار سينما الماسالا منذ فيلم ( موكب الذكريات) الذي ميّزَ بوليوود وحدد هويتها. وأول من بدأ سلسلة أفلام الأكشن والأفلام ذات البطولة الجماعية وأفلام الإخوة المفقودين، الذين يلتقون عند الكبر، وشكلت المواضيع التي طرحها نقلة نوعية، في بوليوود خاصة، بعد أن كانت أغلب القصص تدور وبشكل نمطي، بين عالم الأسرة والصداقة مع بطل رومانسي وبطلة بريئة، قام الثنائي بتحديث وإعادة اختراع صيغة بوليوود بتناول مواضيع الظلم الاجتماعي والقمع والفساد واضطهاد النساء واقتحام العالم السفلي للمدن، وكان السبب الرئيس بإطلاق نجومية أميتاب وتغيير صورة البطل بتقديمه على أنه الشاب الغاضب الذي يعبر عن صوت الفقراء المكبوت، وكتبا له 12 فيلماً، وكذلك الاهتمام بدور المرأة وجعله محورياً وتغيير صورتها وطرحها كما هي في الواقع، تخطئ أو تناضل أو تعمل كالرجال. وساعد في انتشار أفلامهما أنهما يكتبان باللغة الهندستانية، وهي مزيج من الهندية والأوردو والحوار الأدبي العالي المستوى الذي تميز به الشاعر جافيد. ولهما الفضل في تغيير صورة كاتب السيناريو بوضع اسميهما على لوحة الإعلانات بحجم أسماء النجوم والحصول على نسبة من أرباح الأفلام وقد تجاوزت شهرتهما حدود شبه القارة، إذ تم إصدار نسخة من فيلم (ديوار) في هونك كونك بعنوان (الإخوة) بل إن كاتب سيناريو فيلم (المليونير المتشرد) الحائز على الأوسكار عام 2008 تأثر بفيلم "ديوار" وأضاف لقطات فنية وتقنية عديدة منه. أشهر أفلامهما: زنجير، مجبور، أنداز، دوستانا، شاكتي. ديوار، مستر أنديا، والشعلة، الذي أُعتبر واحداً من أعظم الأفلام في الخمسين سنة الأخيرة. بعد 24 فيلماً أغلبها حققت نجاحاً منقطع النظير في شباك التذاكر وحازت ستة منها على جوائز أفضل سيناريو من عشرة ترشيحات، انفرط عقد الثنائي لكن الأسس التي وضع قواعدها وأرسى لها استمرت بقوة وتم البناء عليها من قبل الكتاب اللاحقين. وبقي ظهور الثنائي شانكر ـ جايكيشان ثم سالم ـ جافيد، العاصفة الأكبر التي غيّرت وجه بوليوود جذرياً، وإلى الأبد.