كاملة وأسماء والمجتمع الضاغط على النساء

ثقافة 2023/05/22
...

 صفاء الليثي


اختار السيناريست محمد عبد القادر أن يحكي عدة قصص محورها الجنس، مركزاً على خط يتعلق بطبيبة نفسية لم تتزوج حتى بلوغها الأربعين، الأمر الذي ينظر إليه المجتمع المصري، على أنه مصيبة تحل على الأسرة، وليس على المرأة نفسها. تصاعدت الدراما حين وصلنا لما بعد منتصف الفيلم، إذ ألقت معاناة كاملة ظلالها على عملها كطبيبة، وظلت مشكلات زبائنها من المرضى في الخلفية، منها مشكلة المتحرش الذي يلقي باللوم على ملابس ضحاياه، ومشكلة أسماء التي احترفت البغاء ليس من أجل المادة، ولكن لتختبر شعورها بالمتعة، التي فقدتها نتيجة الختان، أظهر الفيلم أن عملية الختان ظلت الذكرى الأشد قسوة وتدميراً لها، وفي المقابل فإن الختان الذي لم تتعرض له كاملة يؤرق عمتها وأسرتها الصعيدية، فكيف إنها لم تتزوج، رغم اكتمال أنوثتها كما يعتقد أفراد المجتمع. والأغرب أن احتفاظها بعذريتها، أربك حبيبها المؤلف الروائي الذي يخلق شخصيات مثالية في رواياته.

إن الفكرة التي صاغها صانعا الفيلم المؤلف والمخرج، مفادها أن النساء "المختونة" أو غير "المختونة"، تسبب الأرق للمجتمع بمحافظيه، وبمن يفترض أنهم أصحاب أفكار تحررية.  

على الجانب الفني، أسند المخرج جون إكرام البطولة، لنجمة تخطو عتبات الكهولة طبقاً للتعريف العلمي، وأجد أنها من المرات النادرة في السينما المصرية، التي يكتب فيها دور رئيس لامرأة تخطت الأربعين، وتكون بطولة الدور الثاني للفتاة العشرينية، منح العمل للممثلة أنجي المقدم، دوراً مركباً نجحت في أدائه وكانت مناسبة جداً لشخصية طبيبة نفسية، اختارت ألا تتزوج، إلا حينما تشعر بالحب والاحترام، وهو ما حدث تجاه هذا الكاتب، الذي صدمها رد فعله، ووجدته كما صرحت كاملة في الفيلم، لا يختلف عن أقاربها من الصعايدة، وإن ما يسجله في مؤلفاته، محض أكاذيب يحقق بها شعبية ومبيعات، ولا تعبر عن حقيقة شعوره.

 فيلم "كاملة" يدين المجتمع بكل طوائفه، وينحاز إلى النساء، فاضحاً مأساة العيش في مجتمع كاذب، أفراده مهزوزون يهتمون فقط بما يعتقده الآخرون. يؤرقني تناول موضوع  علاقة الرجل بالمرأة، دون صراحة تكفي للكشف عن حقيقة تعقيدات مشاعر الناس تجاهها، فضلاً عن مغالطة شائعة، مفادها أن البغاء لا يسبب استلاباً للمرأة، إذ ينتهك جسدها بلا شعور بأي متعة، وهنا نسأل كيف قلبت أسماء هذه الصورة النمطية، فهي في علاقات مفتوحة مع آخرين، لكنها لا تشعر معها بالمتعة ولا تتجاوب فيها مع الشريك، وخصوصاً أنها تعمل كبائعة جوالة تجوب الشوارع، ومن الطبيعي أن تقابل رجالاً مختلفين، وهذا ما لمح إليه المخرج بلقطة قريبة، أطال نظرة رجل على المقهى، توقعت بعدها أن يسيران معا ًإلى مكان، ولم يتأكد ذلك.

كم كان اختياراً موفقاً من الكاتب لاسم (كاملة)، فهو دلالة على اكتمالها كشخصية وكجسد، لم يقتطع منه ما يعتقد أنه دافع الشهوة، ملاحظتي الوحيدة في عدم توقف الفيلم، عند الحقيقة العلمية، التي تقول "إن الشعور بالرغبة مصدره المخ، وليس الأعضاء الخارجية"، سواء بقيت (كاملة) أم اقتطعت كلها أو أجزاء منها.

 حضرت عرض الفيلم، ضمن مهرجان الفيلم الكاثوليكي رقم 71 الأقدم في مصر، الذي يختار سنوياً أفلاماً مصرية، يجدها تعبر عن المجتمع مع مراعاة معايير أخلاقية، تبعدها عن تناول أي إسفاف. كذلك لاحظت أن عدداً من الراهبات بملابسهن الرسمية، يتابعن الفيلم وصفقن بحماس بعد النهاية. وجرت ندوة أدارتها الناقدة ماجدة موريس حضرها كل صناع العمل، ومنهم مؤلف الموسيقى جون ستيف، الذي عبرت موسيقاه عن الشخصيات بشكل رائع، ومدير التصوير مارك عوني، الذي تحدث عن الألوان، التي اختارها لتضخ المشاهد، بقيم تعبيرية عن نفسية الشخصيات، وبالطبع حضرها المخرج والمؤلف والمنتج رأفت توماس الذي تحمس مؤخراً للمشاركة في صناعة السينما المصرية بعمل هادف يحمل فكراً. 

أخرج جون إكرام أفلاماً قصيرة منها: "ضفاير"، وفيلم "تحية طيبة" وفيلم روائي طويل بعنوان "روح"(2016)، و"كاملة" عمله الطويل الثاني، الذي شارك في مهرجان البحر الأحمر، و"أسوان" لأفلام المرأة، وتأتي مشاركته الثالثة في المهرجان الكاثوليكي للسينما المصرية. وكلها مشاركات تعكس احتراماً لمضمونه في طرح المشكلات والأزمات، التي تحاصر النساء منها على الأخص مشكلات التحرش، والعذرية، وختان الإناث، وأجد أن مشكلة التحرش، كانت زائدة في معرض تناول الختان والعذرية، الخاصتين بالنساء، وأن الاكتفاء بها كان أفضل لتعميق البحث في نماذج مختلفة، تقوي الفكرة وتغطي كل جوانبها النفسية والمجتمعية.