ثقافة نسويَّة أم ثقافة {نحباني للو}؟

ثقافة 2023/05/23
...

  د. نادية هناوي

 ما زال بعض المشتبّثين بإدارة اتحاد الأدباء يصرون على تسويق وتزويق ما سمي بمنتدى الثقافة النسوية المعاصرة الذي ولد ضلالة وتعسفاً ـــ وأوفر على بعض من يبغي التنطع بتدبيج أسباب شخصية لاهتمامي بأمر هذا المنتدى على ضآلة شأنه وتدني مستواه ــ فأقول: نعم هناك إلى جانب الأسباب الموضوعيّة أسباب شخصية سبق أن فصلت فيها في أكثر من مقال وأكثر من مناسبة، ملخصها أن المنتدى مسروق من مشروعي (مركز الدراسات النسويَّة) الذي قدمته للاتحاد في آب 2018.

ولأنَّ الحقوق لا تسقط بالتقادم، تغدو حوافزي أقوى نحو الاستمرار بملاحقة هذا الكيان الشائه من مشروعي، وبيان خطره واخفاقه في فهم الثقافة النسويّة وبما يتناسب والوضع الثقافي المتصور لاتحاد الأدباء كمؤسسة معنية بالإبداع الفكري والأدبي والفني وليس بالميدان المطلبي والحقوقي للمرأة كالمساواة في الوظائف أو الطلاق والنفقة وحضانة الأولاد وزواج القاصرات وغيرها من هذه المسائل التي هي ليست من مهمات اتحاد الأدباء، بل من مهمات الروابط النسويّة المستقلة بذاتها أو المرتبطة بالأحزاب السياسيّة (كرابطة المرأة العراقيّة مثلا).  

وها هو المنتدى يصدر كتابه الثالث أو عدده الثالث، مواصلاً ذات الخيبة الممضة التي اتّسم بها كتاباه السابقان، فالأخطاء النحويَّة ما زالت كما هي على وضعها لم تصحّح مع أنّنا أشرنا إليها في مقالة نقديّة منشورة قبل أكثر من عام في جريدة الزمان وفي مواقع التواصل الاجتماعي. وكان واجبا على (الاتحاديين الأدبيين) الأخذ بها، أم أن وراء إصرارهم على الخطأ تعنتاً وعناداً حتى لو جافوا قواعد النحو العلميّة أم هو الجهل وقلة المعرفة بتلك القواعد؟! وفي كلا الحالين فإنَّ الأمر يدعو إلى التأسّف والتأفّف.

نقول كان حريَّاً بمن يبتغون الاتصاف بالأكاديمية أن يقروا بالأخطاء ويصحّحوها لا أن يثبتوها ويواصلوا عرضها ضمن بيان تأسيسي سطا على فقرات مشروعي آنف الذكر، ضاربين عرض الحائط الموضوعية، إيغالا بالعجرفة بدلاً من المعرفة. ثم إلى متى يبقى اتحاد الأدباء تقليديا لا يفرق بين النسويّة (المعاصرة) وقضايا المرأة الحقوقيّة وأكررها للتأكيد (التعليم والزواج والطلاق والاستغلال والعنف والحضانة والنفقة والرعاية) وغير ذلك من المسائل التي تنادي بها منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ودعاة قانون الأحوال الشخصية وحماة الأسرة

والمجتمع.ومنذ عشرات السنين وهذه الشعارات تُرفع منادية بحقوق المرأة حتى غدت (كليشيهات) جاهزة على كل الألسن، يرددها القاصي والداني، العارف والجاهل، مناصر المرأة أو مضطهدها.ولقد آن الآوان أن نقوم بالتصحيح وننصح (الاتحاديين الأدبيين) بأن يقرأوا كتاب صبيحة الشيخ داود (أول الطريق على النهضة النسويّة) المنشور قبل أكثر من سبعين عاما كما ننصحهم أن يقرأوا دراسات نازك الملائكة التي كتبتها قبل أكثر من ستين عاما عن المرأة وعلاقتها بالمجتمع كي يدركوا كم هو الفارق كبير بين النسويّة والشؤون المطلبيّة والحقوقيّة. 

بيدَ أن الكتب الثلاثة لما سُمِّي بمنتدى الثقافة تصر على أن تكرر جملا من قبيل (تغيير أوضاع النساء/ تحسين ظروف حياتهن/ حقوق المرأة حقوق الإنسان/ تجمع نساء ورجال وزيادة وعي المجتمع/ خدمة قضايا المرأة/ تمكينها من انتزاع حقوقها/ قضايا ذات مساس بالأحوال الشخصية والزواج والأسرة/ أقلام تنصر المرأة العراقية/ الجماعات النسوية شابات وكبيرات/ نساء تعرضن لموجات من التعصب والاضطهاد/ أقلام نسوية شابة/ تجارب النساء في بلدان نامية/ تجارب النساء لأغراض التبادل)، وتؤكد هذه التكرارات حقيقة التباس فهم (الاتحاديين الأدبيين) لماهية النسوية وعلاقة ذلك بالمرأة حتى كأنّ النسوية تسمية ليست لها دلالة علمية وحواضن فكرية ومسيرة تاريخية.

وأحمد الله أنني وُضعت في موقف مضاد لهذا السلوك الشائه لكي أتمكن من تعرية النقص الثقافي في فهم أهداف منتدى الثقافة النسويّة وكذلك إزالة المساحيق عن بعض الذين يزوّقون وجوههم ثقافياً. وما أبعدهم عن الثقافة النسويّة المتوخاة من منتدى متخصص فيها، ترعاه مؤسسة للإبداع الثقافي كاتحاد الأدباء.

وغني عن القول أن النسويّة العربيّة لا تحتاج مزيدا من الخلط والتشويه كي يأتي اتحاد الأدباء في العراق ويضيف للنسوية خلطا جديدا متعمدا إعادة النسوية (المعاصرة) إلى المربع الأول، ولعل النسوية العربية مطالبة اليوم بقوة بأن تواجه التحديات الفكرية ـ متصدية لما يأتيها من الغرب والشرق من طروحات غير مأمونة الجانب 

أو موجات لها حواضنها الغربية الخاصة التي ينبغي أن تكون لنا مواقفنا تجاهها وفعلنا الفكري القادر على انتاج ما يضارعها. وأنّى نحصل على مثل هذا الفعل الواعي واتحاد الأدباء يؤسس منتدى يصلح العاملون فيه أن يكونوا متابعي قضايا في المحاكم الشرعيّة.  

وكما أن الذي يسرق شيئا ويجهل كيف يفيد منه فيدلل على نفسه سارقا من دون أن يعلم، كذلك كان بيان المنتدى التأسيسي مشوها وهو يتعمد السطو على أفكار مشروعي. من هنا ذهبت النقاط المطروحة في البيان في واد، والأبحاث والمقالات المنشورة في الكتاب الثالث في واد آخر، تأكيدا للسطو المشوّه الذي ينمُّ عن عدم كفاءة الذين انتدبوا أنفسهم للمهمة وحقيقة أنهم ليسوا أهلا لها لقصورهم عن فهم النسويّة. ويبدو أنهم يقرأون الثقافة النسوية كما قرأ حجي راضي جملة (تحياتي للوالد) بـ (نحباني للو) والمخجل حقا هو أن يكون اتحاد الأدباء صاحب العباءة التي تحتها جرت عملية السطو والإغارة، ولا شك في أن من يتواطأ على أمر يكون مشاركاً فيه حتما، شاء أو لم

يشأ. أما تبرئة أصحاب المنتدى لأنفسهم من أن تكون لهم مرجعيّة سياسيّة أو تنظيميّة وأنهم يقاومون أية سيطرة عليه، فمحاولة للرد غير المباشر على التهمة الماثلة بجلاء على وضعهم الذي تنطبق عليه المقولة الشائعة (يكاد يقول المريب خذوني) احتيالا على من يطالبهم بمواكبة مستجدات النسوية وثقافتها في الأدبيات العالمية، وكنوع من تمويه السيطرة الذكورية التي لن يغيرها أي إدعاء بمقال ولا يفلح في كبحها نضال، فالوصاية والتبعية الذكورية تبقى واضحة بشكل مباشر أو غير المباشر على المنتدى وفعالياته على نزرتها. فمثلا من مفتتح الصفحة الأولى للكتاب الثالث، ترد مفردة(رئيس) وليس( رئيسة) مرتين كخبر لمبتدأ هو اسم علم مؤنث، فكأن صاحبته تستكنف أن تكون مؤنثا، فأي نسوية تريد ذكورية الاتحاد نصرتها؟! وهلم

جرا..أما تحرير أبحاث العدد الثالث فخبط عشواء، فالمنشور في الكتاب أما دراسة مستلة من كتاب لم تحدد صاحبته اسمه أو دراسة هي استبيان ميداني أو مقالات بائتة منشورة سابقا أو تقارير عاجلة. أما الختام الأخواتي بـ (أخبار النساء) فكان على غرار ما نقرأه في زاوية أخبار المجتمع في المجلات خفيفة الظل

والمحتوى. وأخيرا وليس آخرا خلو الكتاب/ العدد من أية مؤتمرات أو ندوات أو لقاءات (دورية) مما ينص عليه ( الكتاب الثالث) وهذا وحده يستدعي استفهاما كبيرا نضعه أمام أنظار (الاتحاديين الأدبيين)، إلا اللهم انه جاء كجزء من (المعاصرة المحاصرة) التي صارت في خبر كان النسوية العراقية!!.