الركض وراء العضويَّة اتحاد الأدباء والكتاب.. هويَّة تشريف لا تزيين

ثقافة 2023/05/24
...

البصر: صفاء ذياب



الكلام حول النقابات والاتحادات المهنيَّة غالباً ما يدور حول العلاقات ومنح عضويات في غير محلّها، فمع كلِّ التزايد الكبير في أعداد هذه التجمعات، يزيد اللغط في كيفيَّة منح عضويات لغير مستحقيها، إنْ كان في نقابة الصحفيين أو نقابة الفنانين أو اتحاد الأدباء والكتاب، وغيرها الكثير.
وإذا حدّدنا وجهتنا لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق، فالشارع الثقافي يتحدّث عن أسماءٍ كثيرة لا علاقة لها بالأدب صارت أعضاءً في هذا الاتحاد، هذه الأعداد التي تزايدت قبل سنوات مع بداية تسليم منحة الأدباء والفنانين التي يرى البعض أنّها لا تساوي شيئاً أمام ما يقدّمونه، ومن ثمَّ صارت العضوية أو الهويَّة شرفيَّة أكثر منها مهنيَّة... وبالتالي هناك من يرى أنَّ هذه العضويات مُنحت لأسبابٍ انتخابيَّة، مثلما حدث في تسعينيات القرن الماضي حينما تمَّ تسليم أكثر من 400 هويَّة من رئيس الاتحاد حينها من أجل ضمان بقائه في منصبه.. لكنْ هل ما زال الأمر كما هو؟ هل هناك عضويات مُنحت من أجل الانتخابات فحسب؟ وهل أصبح كلٌّ من يدخل في الوسط الثقافي- وهو لا يملك أيّة سمة دخول حقيقي- يستحق هذه العضويَّة؟

أسئلة كثيرة تدور في ذهن المثقفين والأدباء، غير أنَّها أسئلة مشروعه في ظلِّ الفوضى التي كانت هذه النقابات والاتحادات جزءاً منها...

مذبح الفوضى

يرى الروائي شاكر الأنباري أنَّ الوضع الثقافي في عراق اليوم لا ينفصل عن الوضع السياسي، والاجتماعي، المحكوم بالفوضى، والولاءات، والانتماءات الطائفية والقبلية والمناطقية. وأبرز ما يراه المراقب هو ضياع المعايير التي ينبغي أن تحكم عملية اطلاق صفة أديب على هذا الشخص دون سواه. فقد درجت العادة على ألا يوضع شخص ما في موضع الأديب إلَّا بحيازته على إصدارات عدّة يبتّ بها من قبل لجنة معروفة، وموثوقة لا تخضع للمحسوبية، في إدارة الاتحاد، تقيّم نوعيّة الإصدار، وجهة النشر، ومطابقته للمعايير الفنية في أيِّ حقل من حقول الإبداع، سواءً الشعر والقصة والرواية، أو النقد وغير ذلك. ونحن اليوم نعلم سهولة نشر الكتب في ساحة العراق الثقافية، فبإمكان أيِّ فرد دفع مبلغ مالي ليتمَّ طباعة كتابه، حتَّى لو أنَّ البعض من تلك الإصدارات مكتنزة بالأخطاء اللغوية، وارتباك العبارات، وفقر في ثقافة الكاتب. وهذه كلّها سمة من سمات الانحطاط الثقافي العام المستشري في المؤسسات المهتمة بالهم الإبداعي والنقدي. تسهم في ذلك الانحطاط جهات سياسية متنفذة، وثقافية لا تمتلك رؤية وطنية ومسؤولة، ودور نشر تحوّلت إلى واجهات لتجارة رابحة، وانفلات في معايير الفن ومسؤوليته. لكن برغم كلّ ما سبق سيظل المعيار، تالياً، للزمن الذي يحكم على بقاء الرديء من عدمه، والثقافة الجادة تراقب ذلك الانحطاط بدقّة كما دأبت على ذلك طوال حقبة الديكتاتورية. طبعاً سيكون المثقف الجاد في هذه المعمعة هو الضحية وهو من سيهمّش على مذبح الفوضى والتواطؤات. وهي ظاهرة موجودة في أغلب ثقافات العالم، قديماً وحديثاً، ومشكلة الاتحادات، والنقابات، ومعايير الانتماء لها، لا تشذُّ في العراق عن غيره من البلدان، لكنَّها أصبحت فاقعة لدينا، وأشبه بموجة ابتذال هائلة تكتسح الشارع، والدائرة، والبرلمان، والنقابات، والاتحادات، والهويات، وانتهاء، للأسف، بالأخلاقيات العامة والفردية.

سلامة المشهد

ويظن الشاعر علي محمود خضير أنَّ الانتساب لاتحاد أو نقابة ما ليس كافياً أو كفيلاً بجودة وأحقيّة الموصوف بالصفة. الكم على حساب النوع نمط شائع في بلادنا هذه الأيام. ويمكنك أن تلاحظ أنَّ نقابات الأطباء والمهندسين واتحادات الصحافيين ومدرّبي كرة القدم والحلاقين تعاني أيضاً من تضخّم لا مثيل له. لقد باتت الشروط أخفّ من السابق للانتساب لأيِّ محفل. حتى إدارات تلك المؤسسات تعرف في سرها أنَّ اعضاءها متفاوتون وأنَّ الماء قد يتسرّب من كوم القش! برغم أنَّ بعضها تحاول محاصرة الانتقادات بلجان القبول التي تحتاج إلى حظ عظيم لتواجه حشوداً من الكتّاب تتناسل كلّ لحظة.

ويتساءل خضير: ما الحل إذن؟ الحل في المنجز. الإبداع يحمي نفسه ولا خوف عليه. لا يمكن للطارئ أن يمضي بخديعته إلى النهاية. ولن تشفع له هويات الانتساب كلّها من هاوية الفضيحة أمام قارئ ذكي يعرف كيف يعاقب من يخذله من (الكتّاب) وأين ينفق نقوده. علينا- حتى نحافظ على سلامة المشهد- أن ندافع عن ذلك القارئ- والأهم- عن وضع سياقات تعزّز صناعة وتدفّق القارئ النادر. ذلك الذي بتنا نبحث عنه- في معارض الكتب مثلاً- غارقاً بين أكوام المؤلّفين!

زيادة مبتسرة

ولنقف على ما يحدث بالفعل في كواليس اتحاد الأدباء، وحقيقة ما يشاع في الشاعر الثقافي، تحدَّث الشاعر عمر السراي، الأمين العام لاتحاد الأدباء، موضحًاً عدّة نقاط، من أهمها:

١. لا تصاعد بعدد أعضاء اتحاد أدباء العراق إلَّا بمعيار، يتناسب وازدياد نفوس العراق، فوطن كالعراق يقدّر عدد سكانه بـ(٤٤) مليون نسمة، ليس كثيراً عليه أن يكون عدد أدبائه وكتّابه مقارباً لـ(٢٨٠٠) عضواً، في دولة تونس مثلاً التي يبلغ عدد سكانها (١٢) مليون نسمة، يبلغ عدد الأدباء (١٨٠٠) تقريباً، ودول أخرى ترتفع نسبة الأدباء أكثر.

إنَّ مقارنة عدد الأعضاء بالحجم السكاني للعراق يعني أنَّ نسبة الأدباء تبلغ ما يقارب ستة من الألف، وهي نسبة قليلة فالعراق بلد الأدب بتاريخه المعروف.

الاتحاد نفسه في تسعينيات القرن الماضي كان عدد أعضائه يقارب (٢٠٠٠) عضواً، وليس من المنطق أن يتمَّ الاعتراض على زيادة بسيطة في عدد أعضائه بعد مرور ثلاثين عاماً، في حين ازداد عدد نفوس الوطن بما يصل إلى النصف.

٢. ثمة معايير صارمة لدى اتحاد الأدباء، منها أن يكون الكتاب صادراً عن دار نشر بصورة احترافية، وأن يخضع للجنة قراءة متكوّنة من ثلاثة أكاديميين ومبدعين، فضلاً عن وجود مقابلة مع كلِّ مرشّح للحوار والنقاش والتثبّت، وأنوّه بأنَّ العضوية في اتحاد أو نقابة ما ليس حكراً على المبدعين الكبار فحسب، فالأدباء درجات، والحياة كلّها قائمة على مبدأ التفاوت والفروق الفردية.

٣. لعلَّ الاتحاد هو المؤسسة الأكثر صرامة في منح العضوية، والدليل عدم ترهّل هيأته العامة قياساً بنقابات واتحادات اخرى، ولا يخفى على المتتبع هذا الشيء.

 مهنية جديدة

وهناك من يرى أن الهيئة الإيدارية الحالية أكثر صرامة من الهيئات السابقة، وما يقال عمّن منح هويات الاتحاد وهو لا يستحقّها، فقد حدث في دورات سابقة لأسباب عدّة، منها سياسية ومنها اجتماعية، وهو ما أكّده جاسم محمد جسام، رئيس لجنة القبول في الاتحاد حالياً.

ويوضّح جسّام: لنتفق أولاً بأنَّ عملية اختيار الأديب يجري وفق معايير أساسية تخضع بالدرجة الأساس إلى النوع وتشخيص الإبداع من عدمه، ويتم ذلك من خلال ما يقدّمه الأديب من نتاج يخضع للفحص والتقييم لنخرج بحصيلة نهاية مفادها إصدار حكم موضوعي على النتاج الأدبي ضمن حقول الإبداع. ومع تشكّل الاتحاد بدورته الجديدة اتخذ نهجاً ثابتاً في اختيار اللجان الخاصة بالحصول على عضوية الاتحاد، وتشرّفت كوني رئيساً لهذه اللجنة التي باشرت عملها وفق ضوابط وضعت بعناية فائقة وبعد دراسة مستفيضة إذ يقدّم الأديب وضمن الحقل الإبداعي الذي يختاره مطبوعه المعتمد من دار نشر معتمدة ومعروفة بالرصانة ومن ثمَّ تقوم اللجان بفحص هذا النتاج، فإن كان صالحاً تقوم لجنة أخرى بمقابلة الأديب وجهاً لوجه وتستخلص في نهايتها رأياً نهائياً بالقبول أو الرفض..

مضيفاً: ما أردت قوله بأنَّ عمل اللجان اليوم أصبح أكثر تنظيماً ومهنية في اختيار الأديب كعضو في الاتحاد، إذ أعطت إدارة الاتحاد ومكتبها التنفيذي الصلاحية الكاملة للجنة القبول في تحديد مسارات العمل والوصول إلى ما تصبو إليه، وهذا ما لمسته خلال الأشهر الماضية والعمل على رأس هذه اللجان لمست المهنية العالية والدقة والتأني في الاختيار، لتظل قيمة الأديب العراقي ومكانته محفوظة وعمل الاتحاد العام للأدباء والكتاب واضحاً ومهنياً بشهادة من تقدّم للحصول على العضوية سواءً أكان من المقبولين أم المرفوضين.

 خفايا ثقافية

أما الشاعر عبد السادة البصري؛ عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الأدباء، فيقول إننا لو ألقينا نظرة على المنظمات والنقابات والاتحادات المهنية والجماهيرية، سنجد هناك الكثير من الذين لا علاقة لهم بهذه النقابة أو تلك، ولكن حصلوا على عضويتها بطرق وأساليب معروفة للجميع، وهذا موجود دائماً لا يمكن نكرانه أبداً!

واتحاد الأدباء مثل أيٍّ من هذه النقابات والاتحادات لابدّ أن تجد بين اعضائه مَنْ لا يمكن أن نطلق عليه صفة أديب نهائياً، لأنَّنا لا نعرف بأيِّ جنس أدبي يكتب، لم نقرأ له إلاّ أخباراً وتقارير صحفية وما شابه ذلك من تحرير كتاب (إعداد فقط) وما إلى ذلك من أمور!

لكن لكلِّ قاعدة شواذ وهؤلاء هم الشواذ في قاعدة الصفة الأدبية، أعتقد دخلت في قبولهم أمور كثيرة سابقاً لا أريد ذكرها هنا، الأدب وبكلِّ جنس من أجناسه إبداع يبدأ من الصِغَر كالبذرة التي تُزرع في أرض خصبة وتُسقى ستنبت وتخضرّ وتُزهر، لا يمكن أن تأتي الموهبة فجأة لمَنْ تجاوز الخمسين أو بعد تقاعده من العمل، نحن لسنا في زمن النابغة وغيره، هؤلاء ركبوا الموجة وساعدتهم صفحات التواصل الاجتماعي وأمور أخرى.

ويؤكّد: حالياً لجنة القبول في اتحادنا صارمة وتتعامل بمهنية عالية جداً، تصل إلى مقابلة المتقدّم على نيل عضوية الاتحاد لمناقشته ومعرفة خفايا ثقافته ووعيه المعرفي والإبداعي، وهذا سيحدّ كثيراً من دخول أناس لا يمكن أن نطلق عليهم صفة أديب مستقبلاً.

 شروط إضافية

ويختم الروائي الدكتور طه حامد الشبيب كلامه عن لجان القبول، مبيناً أنّه يومَ كان عضواً في لجنة القبول، قبل عدة سنوات، اقترح على الاتحاد أن يُشترط على المتقدم لنيل العضوية أن يكون أصدر في الأقل كتابين. بعدها يُعرض الكتابان على اللجنة الفرعية المختصة بالجنس الادبي الذي ينتمي إليه الكتابان، لفحص رصانتيهما. و”فعلاً تمَّ الأخذ باقتراحي وعُمل به. لا أدري هل ما زال ذلك السياق قائماً. لا أحسب أن تراجعاً عن ذلك السياق، بشروطه، سيكون في صالح مكانة الاتحاد ورمزيته، لا بل من الممكن أيضاً اشتراط أن يكون الكتابان قد صدرا عن دار نشر تعتمد آراء خبراء تقييم قبل الموافقة على النشر. ففعلاً وحقاً، أنَّ بنا حاجة ماسة للبحث عن شروط إضافية صارمة لنيل عضوية الاتحاد بعد أن صارت هذه، إلى حدٍّ ما، مهلهلة.