الأثر الرقيق عند سانتيانا

منصة 2023/05/31
...

  اسمهان حطاب

يقول شكسبير في احدى مقطوعاته الغنائية (كم يبدو الجمال أكثر جمالا حينما يضفي عليه الصدق زينته البديعة أن الوردة تبدو جميلة، إلا أننا نعدها أكثر رونقا لذلك العطر الشذي الذي يحيا فيها. والازهار السقيمة لها نفس اللون الاصيل الذي للورود المعطرة).. وهنا قد نكتفي بعبارة في مقدمة الكتاب لأحد النقاد، الذين اطلعوا على هذا كتاب الاحساس بالجمال للكاتب جورج سانتيانا يقول فيها (إن سانتيانا أثبت أنه ليس ألمع الكتاب في الفلسفة فحسب، بل أنه أكبر فيلسوف في احساسه بفلسفة الجمال منذ عصر افلاطون).

يضعنا الكاتب والشاعر والفيلسوف (سانتيانا) في كتابه الذي ترجمه الدكتور محمد مصطفى بدوي، ومراجعة وتصوير الدكتور زكي نجيب محمود، في بقعة الفن واضعا مجهرا متفحصا بعمق الإحساس بالحق والخير والجمال، القيم التي يجدها اي شخص غير دارس للفلسفة بانها تقع في مجر واحد ونسق واحد، في حين يجد سانتيانا أن قيمة  الحق انها تختص بعالم الواقع الفعلي، فلايصف الشيء بأنه حقيقي، إلا اذا كان واقعا طبيعيا مماتراه العين فعلا أو تمسه الايدي، أما قيمتاالخير والجمال فهما قيمتان تختصان بالروح وعالم الممكنات، حيث كلاهما تصوران الإنسان وخياله ويرسم بها مثلا اعلى يستريح له في احلامه ما داما لا يتحققان في دنيا الواقع الماثل لحواسه.

ولكي ندرك شيئا ادراكا جماليا يتحتم ان نضيف الى حقيقته قيمة لاتستمدها من الواقع، بحيث يكون له في نفسك نشوة ولذة، لايكفي أن نقول الشيء جميل لأن الناس تراه كذلك، بل أن نشعر بالنشوة الصادقة المخلصة لازيف فيها ولاتزوير.

احكام العقل تختلف عن احكام الخلقية والجمالية معا،الاولى مدارها (الوقائع)، والثانية مدارها (القيم)، التي يضيفها الإنسان إلى تلك الوقائع.

يستخلص (سانتيانا) بالقول إن إلى جانب كون الجمال يتميز بأنه ادراك لقيمة لا ادراك لواقع وانه ادراك ايجابي مباشر لا ادراك للجانب السلبي بطريق غير مباشر، كما هو الحال مع الاخلاق. 

ويحدد الجمال والادراك فيه تحديد فاصل وحاسم، يميز بينه وبين الادراك العقلي العلم من ناحية وبين الحكم الخلقي من ناحية أخرى.

يطرح سؤالا مهما، هو كيف يحدث أن يضع الرائي قيمة جمالية على الاثر الفني؟

ويجيب عنه، يحدث بان يتمثل الرائي في ذهنه صورة مثل للشيء الذي يصوره الاثر الفني المشاهد، ثم يدرج هذا الشيء الجزئي الماثل امامه تحت الصورة المثلى التي تمثلها في عقله، نقول الشيء جميل في جزئه، أي أنه مستمد من مدى اقترابه من النموذج العقلي في ذهننا كمشاهدين.

أما العلاقة بين القيم الخلقية والقيم الجمالية وميدان الجمال والخير، فالعلاقة وثيقة مع ذلك فإن التمييز بينهما هام، أحد عناصر التمييز هو أن الاحكام الجمالية ايجابية اساسا، لماهو خير، والأحكام الخلقية اساسها سلبية، أي أنها ادراك للشر.

مذهب الاخلاق الذي يقوم على مبدأ اللذة كان ولا يزال يتحتم  عليه أن يناضل الحاسة الخلقية لدى الإنسان.

يمكن أن نستخلص مفاهيم سانتيانا عن اللذة والسعي وراءها هي مسألة بالغة التفاهة، وتقدير الجمال وتجسيده في الفنون ضرب من ضروب النشاطات التي يمارسها الإنسان وقت العطل والفراغ حين نتخلص من ظل الشرور وعبودية الخوف ونتبع طبيعتنا حيثما تقودنا.

الجمال هو قيمة ايجابية نابعة من طبيعة الشيء، خلعنا عليها وجودا موضوعيا هو لذة نعتبرها صبغة في الشيء ذاته.

كذلك فإن لذات البصر والسمع والمخيلة والذاكرة هي اكثر اللذات قدرة على التحول الى موضوعات، لكننا لن نستطيع أن نسميها وحدها مادة للجمال، إلا إذا تسرعنا في الحكم ولم نقدر المبدأ، الذي يتضمنه الجمال. 

حيث إن  الحواس الخمس وقوى النفس الثلاث تلعب دورا خطيرا في السيكولوجيا التقليدية.

إن النصر النهائي لفلسفة واحدة لم يحرز بعد، وذلك لأنه لم توجد حتى الآن فلسفة واحدة تكفي لتفسير التجربة بأسرها، ولو قدر لنا أن نصل إلى وحدة ما فلن يكون اتفاقنا جميعا دليلا على اكتشافنا الحقيقة كما يتخيل العامة.

انما يكون دليلا على أن العقل البشري قد وجد طريقة محددة لتصنيف تجاربه. 

من المحتمل جدا أن الإنسان، لو ظل محافظا على عادته المتأصلة في تشخيصه لافكاره، فسيجعل هذه الخطة محددة ومصورة للعلاقات الموضوعية بين الأشياء .

الأشياء الخارجية ليست إلا مدركات جسدت كذلك العلاقات بينها هي عمليات للعقل الإنساني قد جسدت أيضا.

اذا قلنا انا توصلنا الى فلسفة واحدة نهائية معناه معناه فقط أننا استطعنا الوصول إلى صورة مثالية مقنعة للادراك الباطني الإنساني، وتظل مختلفة اختلافا كليا عن الواقع، وعاجزة عن تمثيل أي من التجارب التي تربط في ما بينها على نحو صناعي بحيث تخلق منها نسقا أو نمطا معينا الاساطير والديانات مثالا لذلك.

التاريخ مثلا الذي نحسبه أنه عرض للوقائع، انما هو في الحقيقة مجموعة من الادراكات الباطنية لمادة غير محددة، هي تأليف من ذكريات والفاظ يمكن تفسيرها على انحاء مختلفة دائما.

 لا بد أن يتحيز المؤرخ تحيزا ما أن المصادفة وحدها هي التي تبقي على الاثار والاطلال، وحينها يلجأ المؤرخ الى دراستها من الماضي، ويبدأ عقله الخاص نشاطه ولا بد أن يكون له اهتمام خاص يوجهه عمله.

إذا اعتبرنا أن العالم عبارة عن تجمعات ذرية متناثرة فاننا لا يمكن أن نحصرها بشكل معين أو شكل معين لأن أجزاءها لاحصر لها، لكن نظرية التطور تقول إن النظرية الالية جعلت العناصر تتجمع وتتوزع بحيث كونت نسقات من الكائنات العضوية تتناسل وتتكرر في بيئتنا، بحيث تعودت حواسنا رؤية أجزائها مجتمعة معا.

يشير الكاتب ايضا إلى أن الطبيعة تجمعاتها تتفق وتتجمع وفق جماعات، الجاذبية الارضية تلك القوة الفوضوية تجذب مختلف وجميع الذرات، بدون تمييز وبدون اعتبار للشكل الكلي، الذي تجمع العين هذه الذرات في إطاره. 

وهناك صور أخذت من الطبيعة تجمع الاتربة التدريجي، غاليا ما يكون أشكالًا هرمية  ثابتة ومتراصة لفترات من الزمن، دفعت الإنسان الفرعوني إلى بناء الإهرامات على تكوينها لدوامها وبقائها فترات زمنية طويلة. 

ضمان للثبات ومجاراة للطبيعة، وضمان بقاء أشكال الحياة، وقد تكون هناك علاقة بين المنفعة والجمال.