مع حلول موسم الصيف وفي كل عام تخرج الحشرات من جحورها وتزحف بإتجاه المدن عندما تتغير بيئتها المحيطة، وهذا العام شهدت العديد من محافظات البلاد ظهور نوع خاص من الخنافس التي تمتاز بكبر حجمها وأعدادها الكبيرة.
الستينية أم أحمد تفاجأت بكتلة سوداء تغطي باحة منزلها صباحا عندما كانت تهم بغسل المكان، وتقول ام احمد بصوت مرتبك ووجه تعلوه إمارات القلق:
“اعتدت صباحا على غسل الجزء الامامي من المنزل والحديقة ولكني ذهلت بمنظر العدد الكبير من الحشرات السوداء اللون التي تعرف بالخنافس، مما اثار قلقي وهلعي لان اعدادها كانت كبيرة جدا ولم يقتصر ظهورها في بيتي فقط بل في بيوت جيراني ايضا ويعلل الكثيرين ظهورها بهذا الشكل المخيف على انتشار النفايات بداخل الازقة”.
امانة بغداد اعلنت مؤخرا عن رفع ما يقارب الف طن من النفايات وتوزيع اكثر من 100 الف كيس للتخلص من النفايات ونشر 1600 حاوية وزيادة عدد العمال الى ما يقارب اكثر من ألفي عامل فضلا عن زيادة عدد الاليات، وهذا كله من شأنه التقليل من الحشرات والديدان التي تتواجد داخل المدن وتظهر في الدور السكنية وتسبب الازعاج لساكنيها.
التنوع البيئي
تشير التقارير والدراسات التي يقوم بها علماء البيولوجيا بين الحين والاخر الى اهمية الخنافس في التنوع البيئي فضلا عن دورها في التخلص من الحشرات المضرة التي تتغذى على النباتات، فهي تلتهم ما يقارب 50 حشرة كما تسهم في حماية الحقول الزراعية من الطفيليات والحشرات المؤذية من دون الحاجة لاستخدام المواد الكيمائية، كما بينت الدراسات العلمية ان البعض منها يكون ما يسمى بشبكة الحياة المكونة من الروابط والعلاقات التي تصنع عالمًا متنوعًا بيولوجيًا قادرًا على حماية نفسه من الدمار، كما هو الحال مع الفيروسات والحشرات والزواحف وان الإخلال بهذه الروابط يتسبب في تقليل التنوع البيولوجي وتهديد صحة البشر وسبل العيش والبقاء على قيد الحياة.
أضرار صحية
كان الاثر الذي احدثته القرصة التي تعرضت لها العشرينية مرام صادق حسب قولها من أحدى الخنافس السوداء بالغ الشدة اذ ادى الى حدوث ورم في يديها وتقول مرام:
“كنت نائمة في فراشي عندما ايقظتني لسعة حارقة فقمت من فوري لاجد يدي اليمنى وقد تورمت واصابتني نوبة من التحسس في اجزاء جسمي بكامله، لذلك لجأت الى الطبيب وقد اعطاني ادوية مضادة للحساسية ونصحني بالحذر منها.
مرام ليست الضحية الوحيدة للخنفساء السوداء، بل انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تبين عددا من الاطفال الذين اصيبوا بالقرصة وادت الى تورم ايديهم، وتلونها باللون الاحمر ثم الازرق لاحقا.
آثار السيول
“ليست النفايات وحدها وانتشارها بين الازقة السكنية سببا لظهور الحشرات والخنافس بين الحين والاخر بل اسهمت موجات السيول والامطار الغزيرة بخروجها من جحورها” بهذه العبارات تحدثت الستينية ام احمد وتابعت القول:
“منذ ان اصابت البلاد موجات الامطار والسيول ونحن نشهد ظهور حشرات وديدان تثير مخاوفنا احيانا تزداد اعداد الصراصير وغيرها من الحشرات التي تجد في المنازل بيئة امنة لها ولكن بالتاكيد لها اضرار صحية على الانسان لذلك هذا يستدعي تدخل الجهات ذات العلاقة بسرعة كبيرة “.
الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور سيف البدر في احد تصريحاته قال:
“ ان هناك امكانية لظهور اوبئة في المحافظات التي تعرضت لموجات السيول وظهور الحشرات في نفس الوقت، لذلك من الضروري اخذ الحيطة والحذر وتكثيف الجهود المحلية والصحية لمحاربة الامراض التي قد تظهر بسبب هذه التغيرات البيئية”.
حشرات غير مؤذية
مع تناقل مواقع التواصل الاجتماعي لفيديوهات وصور تنسب لاشخاص تعرضوا لقرصة الخنفساء نفت وزارة الزراعة على لسان معاون المدير العام لدائرة وقاية المزروعات في الوزارة سمير عبد الرزاق ان تكون هذه الحشرة مؤذية للانسان فهي من فصيلة الرميات وقد غادرت جحورها هذا العام بهذه الاعداد الكبيرة بسبب موجة الامطار والسيول والفيضانات التي تاثرت بها البلاد، ويذكر ان الحشرات تمتلك الحدس والتنبوء اذ تشعر بالخطر قبل حلوله، لذلك عندما ارتفعت مناسيب المياه في الانهار وزادت موجات السيول غادرت تلك الحشرات منازلها بحثا عن البيئة الامنة، اذ ان الخنفساء السوداء تتغذى على مخلفات الاشجار والنباتات اذ هي تفضل البيئة العضوية على غيرها من البيئات، ولهذه الحشرة اهمية كبيرة في الحفاظ على دورة حياة النباتات لكونها تحلل وتعمل على تفسيخ النباتات وسيقانها وجذورها، ومن الجدير بالاشارة الى ان سوريا تعرضت في وقت من الاوقات الى هجوم هذه الخنافس وتم مكافحتها من قبل الفلاحين لكن تبين لاحقا انها غير مؤذية للمزروعات.
موسم التكاثر
الخبير بالشؤون البيئية احمد صالح اشار الى ان بيئة العراق تتعرض بين الحين والاخر الى غزو من حشرات وديدان تكثر احيانا وتقل احيانا اخرى مع تغيرات الطقس، وهناك مناطق في البلاد وتحديدا في محافظة ميسان تكثر فيها الحشرات لهذا تسمى الحشرية كما ينتشر فيها نوع من الصراصير من نوع القفاز تصل اعداده الى الملايين.
ويشار الى ان التنوع البيولوجي هو امر طبيعي وموجود في مختلف البيئات وتكون ذروته في الفترات التي يكون فيها الطقس ممطرا، فهو يشجع على وجود مختلف الكائنات الحية لاسيما الطيور التي تعتاش على الخنافس السوداء فضلا عن الكلاب وابن آوى وغيرها من الحيوانات، وفي هذا العام ظهرت الخنافس باعداد كبيرة مع موجة السيول والفيضانات اذ جرفتها هذه الموجات من المناطق المجاورة تارة ومن اماكن اخرى في البلاد تارة اخرى، كما ان سقوط الامطار بهذه الغزارة هذا العام أسهم بخروجها من جحورها.
التكيف والتأقلم
وفي ما يتعلق بتغير شكل الخنافس السوداء عن تلك المتعارف عليها يؤكد الخبير ان تغير شكل الكائنات لا يحصل بين ليلة وضحاها بل يحتاج الى مئات السنين، فهي تشبه الانسان في هذا المجال ، لذلك فالحيوانات لها تغيرها ايضا وقدرتها على التكيف والتأقلم مع الاوضاع المختلفة خصوصا التغيرات البيئية التي تؤثر في وجودها وتكاثرها بشكل كبير.
وفي ما يخص الخنافس السوداء فهي الان موضع دراسة بعد ان قرصت احد الاشخاص تغير لون جلده ، وقد يكون هذا الامر مفيدا لمن يعانون من الصبغات الداكنة اذ من الممكن ان تتوازن بشرتهم بفضل هذه القرصة، ويذكر ان هذه الخنافس تقل اعدادها احيانا لوجود طيور الحبار القادمة من باكستان باتجاه ايران لتدخل الحدود العراقية في جبال زاكروس اذ تعد هذه الحشرات وجبتها المفضلة .