المؤلفون والمترجمون..حوار صامت رغم اختلاف اللغات

ثقافة 2019/04/23
...

كلير ارميستيد
ترجمة: ليندا أدور
خلال حفل توزيع جوائز مان بوكر العالمية للعام الماضي، اكتسح فائزان المنصة، هما الروائية البولندية أولغا توكارتشوك ومترجمتها جينيفر كروفت، لكن شخصا ثالثا، يقف في الخلف، وقد بدا مبتهجا أكثر من أي شخص آخر، إنها أنتونيا لويد جونز، مترجمة أخرى لأعمال توكارتشوك والتي تعمل معها منذ زمن ليس بالقصير، لكن، لا يد لها في فوز رواية “الرحلات”، بالجائزة. تقول لويد: “نحن نعمل كفريق، بالطبع ان الفوز اليوم لأولغا وجينيفر وليس لي، لكنه يعد انجازا عظيما للأدب البولندي المترجم” مضيفة “انه نجاح باهر جاء بعد حوالي 30 عاما متواصلة من العمل، وقد عاد بالنفع الكبير على مبيعات أعمالي”.
الأصلي والمترجم
ليس الأدب البولندي فقط الذي حظي بهذا النجاح، فقد ارتفعت مبيعات الأدب المترجم في المملكة المتحدة بنسبة أكثر من خمسة بالمئة العام الماضي، مع زيادة مبيعات الروايات الأدبية بنسبة 20 بالمئة. فمع توجه المملكة، نحو الداخل وانشغالها باقتتال مرير حول مغادرتها للاتحاد الأوروبي، يتطلع القراء نحو الخارج، حيث يشكل الأدب الأوروبي جزءا كبيرا من 
النمو.
 يعد جاك تيستارد، الناشر لرواية توكارتشوك، جزءا من الموجة الجديدة من الناشرين المستقلين الذين يأملون بإندماج الأدب المترجم مع التيار العام، مشيرا الى أن الأدب الاجنبي في المملكة المتحدة يتم عزله في موضع منفصل عن الرواية الأصلية المكتوبة بالأنكليزية. ففي فرنسا، على سبيل المثال، حيث يتم نشر تراجم لخمسة كتب موجودة، فنجد بالزاك وبولانو, وكالفينو وكاريير على رف المكتبة ذاته”. يبدو هذا الفصل واضحا، في عالم الجوائز ومحال بيع الكتب، فجائزة مان بوكر العالمية تعد الكبرى بين الجوائز التي تمنح للرواية
 المترجمة. 
قد يبدو اعضاء فريق توكارتشوك على درجة من القرب، لكنهم ليسوا مرتبطين كما هو حال فريق الروائي الصيني، ما جيان، ومترجمته فلورا درو، وهي أم أطفالهم الأربعة. يقول جيان، “فلورا هي الشخص الوحيد الذي  ترجم أعمالي الى الانكليزية، أتت لمقابلتي في هونغ كونغ وكانت لغتها الصينية جيدة جدا، فأعطيتها نسخا من مؤلفاتي وقلت لها، نصف مازحا، بأن بامكانها ترجمتها الى الانكليزية ان رغبت بذلك، وكان هناك شعور بداخلي بأنه القدر”. 
العمل الأخير الذي جمع بينهما هي رواية “حلم الصين” والتي نشرت بنسختها الانكليزية الخريف الماضي، لكن يرجح بأنها لم تقرأ بلغتها الأصلية. هل يبدو الأمر وكأنه تحدٍ بفصل المهني عن المنزلي؟ تقول درو: “ما جيان الذي اترجم له يختلف كليا عن ما جيان الذي اعيش معه. معرفتي الجيدة به، قد تعني، وبطريقة ما، أن أصبح هو وأكتب الترجمة ليس بصفتي صديقا أو مترجما ولكن كـ “ما” نفسه ان كان سيؤلف روايته بالانكليزية” مضيفة “تمر علينا أوقات أثناء الترجمة، نشعر وكأن حوارا صامتا يدور بيننا لا نملك له الوقت في حياتنا الواقعية”.
 
تفاعل عبر المسافات
ليس في الغالب ان تكون العلاقات بين المؤلفين والمترجمين قريبة للغاية، ليس فقط لأنهم، في كثير من الاحيان، يعيشون على مبعدة أميال تفصل في ما بينهم. يقول سام تايلور، فرنسي ويعيش في الولايات المتحدة، عن ترجمته لعملين مثيرين للجدل للكاتبة الفرنسية- المغربية ليلى سليماني، هما “آديل” و”تهويدة”: “لا أذكر وجود أي تفاعل بيني وبين المؤلفة، سوى بعض الأسئلة ورسالة الشكر التي وجهتها بعد انجازي العمل”. 
تشير سليماني، بدورها الى أن “من المفترض أن يكون الأدب عالميا، أنا أكتب عن النساء، لكن آمل ان يتشاكل الرجال مع شخوصي، وقد فهم تايلور شخصياتي وأسلوبي لدرجة اني عندما كنت أقرأ عملي المترجم، أقول بأن تلك هي العبارة بالتحديد التي كنت سأختار”. 
قد يختلف الأدب باللغتين الفرنسية والأنكليزية لكن، وفقا لتايلور، “غالبية اللغات الأوروبية، مسندة بقيم فلسفية وتأريخ مشترك مكافئ لها. عن اللغتين الصينية والأنكليزية، تقول درو: “تبدوان كلغتين متباعدتين، فلا تزال الصينية تمثل صراعا لي، فلا أزمنة فيها، ومختصرة أكثر من الأنكليزية، لذا غالبا ما يستنتج المعنى من خلال السياق، فأتساءل كيف يمكن للصور والاستعارات ان تترجم عبر الثقافات؟”.
من بين عدة مبادرات شجعت على نطاق أوسع للكتابة المترجمة، هي جائزة ايبرد العالمية الجديدة، برعاية البنك الأوروبي للبحث والتطوير، وتبلغ قيمتها 20 الف يورو، تمنح مناصفة بين المؤلف والمترجم،والتي ذهبت جائزتها الافتتاحية للعام الماضي للمؤلف الكردي-التركي برهان سونميز والتي قام بترجمتها، أوميت حسين، في حين كانت جائزة هذا العام من نصيب الرواية الأوزبكية الأولى المترجمة الى الانكليزية “رقص الشياطين” لمؤلفها حامد اسماعيلوف، الصحفي ذو الـ64 عاما، الذي قدم الى لندن بعد اجباره على مغادرة أوزبكستان في العام 1992، ليلتقي بمترجمه دونالد رايفيلد، الذي لم يكن عليه تعلم اللغة الأوزبكية، فحسب، ليترجم روايات اسماعيلوف، بل التتارية والفارسية والطاجيكية والقيرغيزية أيضا، وهي اللغات التي يتحدث بها اسماعيلوف، فهو، نفسه، مترجم. 
 
اتجاهات ثلاثة
ان الصعوبة التي واجهت ولادة “رقص الشياطين” بنسختها الانكليزية، تسلط الضوء على مديات كون الترجمة ليست علاقة باتجاهين بل بثلاثة اتجاهات، بانضمام الناشر، الشخص الذي يتحمل المخاطر المالية، كطرف ثالث، ويتضح ذلك من خلال، ديبرا سميث، الفائزة بجائزة مان بوكر للعام 2016 عن ترجمتها لرواية الكاتبة الكورية الجنوبية، هان كانغ “النباتية”، فضلا عن ترجمتها لروايتين أخرتين لنفس الكاتبة هي “أفعال بشرية” “والكتاب الأبيض”، لذلك كان عليها فهم متطلبات التحول الثقافي، فكان عليها التباحث حول النظم الكورية المتعلقة بالمعتقدات الدينية والعلاقات الأسرية والممارسات اللغوية.
تشكل الأمانة، على العكس من الدقة، مسألة صعبة، وقد اعترف بذلك الكاتب تيم باركس بقوله إن هناك خطأ بسيطا في كل صفحة من كل كتاب، مؤكدا أن المترجمين هم أفضل قراء قائلا: “على المترجم أن يؤدي عمله ثم يختفي، فالكاتب الكبير ذو الشخصية والمبدع يتمنى السيطرة على جميع انحاء 
العالم”.
وفقا لجيمس وود، الناقد بمجلة ذا نيو يوركر الأميركية، فان المترجمين يأتون من معسكرات مختلفة، فمنهم “الأصلاء” ومنهم “النشطاء”، يعمل المعسكر الأول على احترام جوهر النص والسعي لاعادة انتاجه بدقة، قدر المستطاع، باللغة المترجم اليها، أما المعسكر الثاني، فيبدي اهتماما بالدقة الحرفية أقل من الاهتمام بالتحول الموسيقي للعمل الجديد.
وفقا للمترجم فرانك واين، فان المشاكل غالبا ما تنشب عندما يظن المؤلف نفسه، أنه يتقن الانكليزية بشكل أفضل مما في حقيقة الأمر. أما جاي روبن، واحد من المترجمين الأربعة الذين كان لهم الدور في تحويل الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، الى نجم في اللغة الانكليزية. يقول: “كان خلافنا الأكبر حول استخدام كلمة “حمام” أو”مرحاض”، لكننا جميعا ذهبنا مع نبرة واسلوب موراكامي السلس، اذ لا توجد عدة طرق لقول عبارة “نهار الأحد كان يوما صافيا آخر”.
 
*صحيفة الغارديان البريطانية