بلا أدنى شك نرى أن العراق يضع قدميه اليوم على المسار الصحيح، من خلال تنقية أجواء العلاقات الخارجية، لا سيما مع دول الجوار، ذلك أن الرئاسات الثلاث تضافرت جهودها لإعلاء مصلحة العراق قبل كل شيء، وعلى الرغم من الإيقاع البطيء لتفعيل الاتفاقيات والذي يتناغم مع بطء حسم المتعلقات كتقديم المرشحين للوزارات الشاغرة، وتفعيل مشاريع الاستثمار وإعادة إعمار المدن التي خربها داعش وعودة المهجرين وملف الخدمات والتوجه نحو مشاريع ستراتيجية وقضية معالجة الفساد السابق واللاحق وملف الدرجات الخاصة، إلا أن الأداء على المستوى الخارجي قد شكل علامة مهمة تحسب للقوى السياسية عموماً، وللرئاسات الثلاث على وجه التحديد.
ثمة تفاصيل لا نود الخوض فيها، ونتحفظ على العديد من محاولات تعكير الأجواء، سواء بقصد أو بدون قصد، وثمة وجهات نظر مشككة نحترمها لانطلاقها من مصلحة البلد، لكن بالمقابل نقف بالضد ممن يغلب مصلحته السياسية أو الجهوية على مصلحة العراق، وقد قلناها في أكثر من مناسبة بأن عراق ما بعد داعش هو ليس عراق ما قبلها، شاء البعض أم أبى، فغالبية القوى الإقليمية أدركت تماماً بأن لا استقرار للمنطقة بلا استقرار حقيقي للعراق، وأن عراقاً ديمقراطياً تعددياً حراً كفيل بحلحلة عقد الصراع التي أسهم النظام الصدامي المقبور بتكريسها على خلفية الحروب العبثية الخاسرة التي زجنا فيها، إذ لم تنتعش علاقة العراق مع دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، إلا خلال حرب الثماني سنوات، لحاجة النظام آنذاك للدعم السياسي والإعلامي والمادي، وقبلها كان النظام متبعا سياسة عدوانية تجاه الآخرين، موظفاً آلته الإعلامية للتخوين والتسقيط والتشويه مع معظم الأنظمة العربية، ثم سرعان ما جدد عدوانيته بعد غزو الكويت، وأسأل للتاريخ متى كان العراق على وفاق مع الأنظمة العربية؟ لا سيما دول الخليج ومصر وسورية والأردن وحتى دول شمال أفريقيا؟ وحتى مع دول الجوار الأخرى إيران وتركيا، فمنذ تأسيس الدولة العراقية حتى سقوط النظام كانت العلاقات بين مد وجزر، يغلب عليها التوتر لأسباب متعددة، ولم تتح الفرصة لتلافي الأزمات والتوترات حتى انتهت بالصورة التي أدت إلى حربين مدمرتين قوضتا أمن المنطقة.
اليوم ربما هناك شعور مشترك أو إرادة مشتركة لصناعة مناخ مغاير، يطوي جميع الملفات القديمة، ويزيل عوامل التوتر، ويرسخ الثقة بين العراق ومحيطه الإقليمي والدولي، فعنتريات النظام الشمولي الاستبدادي والقائد الأوحد قد ولت بلا رجعة، وحساسيات الانتماء والولاء العرقي والديني والمذهبي التي لم نجنِ منها سوى الدمار، أصبحت في تقديرنا من موروثات الماضي، بعد ما مر به العالم من متغيرات وأحداث، وقد آن الأوان لصوت العقل، والتوازن السياسي، والتعامل على أساس المصالح العليا للبلاد، آن الأوان لتحرير العقل السياسي من نمطية التعامل القبلي مع الآخرين، فليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، بل هناك مصالح وطنية دائمة، نقولها بمنتهى البرجماتية.